انتشر في السنوات الأخيرة إعلان تجاري لإحدى ماركات السيارات المعروفة عنوانه "عودة الهيبة"، يعرض مركبة كبيرة ببدن ضخم تسحق أي شيء تدهسه، وعلى نفس المنوال جاء بيان مجلس الوزراء الأخير الذي تشير مضامينه إلى نية حكومية لإعادة هيبة الدولة وسطوتها بعد الأحداث الأخيرة من تظاهرات ومسيرات غير مرخصة بالقوة وسحق المخالفين، إلا أن بيان "عودة الهيبة" الحكومي فلتت فيه مفاتيح الرسالة التي يجب أن تستخدمها دولة المؤسسات الدستورية وتحول إلى وعيد وتهديد لا تصدره إلا دول لا تتمتع بتاريخ وعراقة الحريات والديمقراطية الكويتية.

Ad

السيئة الكبرى في البيان هو الربط الضمني فيه بين الحدث السياسي الراهن وآراء المواطنين المعارضين وفتح ملفات الجنسية ونبش المخالفات المستورة بهدف تجريدهم من المواطنة نتيجة لآرائهم ومعتقداتهم السياسية، وهو سلوك غير مقبول من أي حكومة، ويؤشر إلى أن الدولة تعلم أن هناك تجاوزات ومخالفات في قرارات منح الجنسية الكويتية وتتهاون في ملاحقتها ومحاسبة المسؤولين عنها لأغراض سياسية، وهي إحدى كوارث التجنيس في الكويت منذ ستينيات القرن الماضي التي أدت إلى نتائج سياسية واجتماعية شديدة السلبية نجني ثمارها حالياً.

أما إذا كان البيان يقصد أن منح الجنسية يشترط ألا يمارس المتجنس أي نشاط سياسي في السنوات الأولى من تجنيسه فإن تطبيق القانون يجب أن يكون ملزماً ودون حاجة إلى بيانات مسبقة، وهو ما يعني تقاعس السلطات عن تنفيذ واجباتها، رغم معارضتي لحرمان أي إنسان من التعبير عن رأيه السياسي لأي سبب كان وفقاً لما ينظمه القانون ولا يعرض سلامة المجتمع والدولة للخطر.

الخلاصة أن بيان "عودة الهيبة" جانبه في كثير من المواضع حرفية لغة الدولة المؤسساتية وانجرف إلى أفكار متوترة تهديدية، كان أخطرها هو تهديد المعارضين بنزع جنسيتهم وإسقاط حق المواطنة عنهم، وهو إجراء خطير وسيف تريد الدولة تسليطه على رقاب شعبها يستدعي تعديلاً فورياً على قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959 لوضع ضوابط مشددة على استخدام إسقاط الجنسية وسحبها وتحديد الأسباب بدقة التي تمثل تهديداً للدولة التي تستوجب إسقاط المواطنة عن أي كويتي، كما يجب أن يلزم القانون الحكومة بالعمل على الكشف عن مخالفات منح الجنسية وعمليات التزوير في ملفاتها والذي يتطلب اتخاذ إجراءات قانونية بحق مرتكبيها دون استخدام ذلك كأداة مساومة أو ردع سياسية.

***

 كنا نتمنى أن يكون بيان "عودة الهيبة" حقيقياً بتأكيد مجلس الوزراء على محاربة الفساد وعودة الانضباط إلى الوظيفة الحكومية ومحاربة الواسطة ووقف استخدام جهاز الدولة الإداري ومؤسساتها في المناورات والترضيات السياسية وتحقيق العدالة بين المواطنين في التوظيف وأن يكون المنصب الحكومي للأكفأ وليس للوجهاء والمسنودين من تجمع اجتماعي أو أقتصادي أو طائفي، وتعزيز استقلالية القضاء وثقة الناس فيه، إضافة إلى تكريس الشفافية بتطبيق كشف الذمة المالية للقياديين ومنع تضارب المصالح بين السياسي والتجاري، وبدء عملية تنمية حقيقية شاملة، واحترام قوانين البلد لأنها هي العناوين الحقيقية لهيبة الدولة.