هيكلة شركة طيران والمضي في مشروع تخصيصها هو أبسط ما يواجه أي إدارة حكومية، خصوصاً أن العالم فيه من التجارب والخطط التي يمكن الاستعانة بها لتطبيق نموذج ناجح للهيكلة أو التخصيص، فضلاً عن أن لدى "الكويتية" نفسها خططاً للتشغيل وقانوناً للخصخصة.
تعاظمت أزمة شركة الخطوط الجوية الكويتية هذا الأسبوع بعد أن أقال وزير المواصلات عيسى الكندري رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الكويتية سامي النصف ليقرر مجلس إدارة الشركة بعدها إلغاء صفقة شراء 5 طائرات من شركة جيت إيرويز الهندية. هكذا عادت الخطوط الجوية الكويتية إلى دائرة الجدل ما بين نقاش مطول بشأن شراء الطائرات او وقف الصفقة أو أفضلية شراء الجديدة أو المستعملة أو شراء «دور» من شركة طيران أخرى لاختصار المدة. إلا أن هذا النقاش يعيدنا إلى المربع الاول في ملف الخطوط الكويتية التي تحولت من مؤسسة إلى شركة تمهيداً لتخصيصها، وعلى ما يبدو أن ملف التخصيص الذي بدأ نظرياً في عام 1993 وتم إقراره بقانون قبل عام لن يرى النور قريباً، كما كان متصوراً في السابق بل ستدخل «الخطوط الكويتية» في أتون الخطط والدراسات المطولة، التي لا تعطي الكثير من النتائج العملية، غالباً، وفقاً للبيئة الاستثمارية الكويتية. وبغض النظر عن خلافات وزير المواصلات مع رئيس الشركة السابق أو حتى جدوى شراء الطائرات المستعملة أو الجديدة أو حتى تأجيرها يمكن لأي متابع أن يتلمس أن ما يحدث في «الخطوط الكويتية» ما هو إلا صورة لعدم قدرة الإدارات الحكومية على تحقيق اي نموذج نجاح حتى ولو كان سهلاً ولا يتطلب اكثر من اتخاذ قرار. فهيكلة شركة طيران أو حتى المضي في مشروع تخصيصها هو ابسط ما يواجه اي ادارة حكومية خصوصا ان العالم فيه من التجارب والخطط التي يمكن الاستعانة بها لتطبيق نموذج ناجح للهيكلة او التخصيص، فضلاً عن ان لدى «الكويتية» نفسها خططاً للتشغيل وقانوناً للخصخصة، وبالتالي يفترض عدم وجود معوقات حقيقية تعترض طريقها سوى التردد وعدم وجود خطط بديلة لالغاء خطة قائمة، وهو ما حدث في الغاء شراء 5 طائرات من جيت إيرويز الهندية دون وجود بديل او حتى اطلاق وعد بتوفير صفقة بديلة سريعا. فما يحدث في «الخطوط الكويتية» من مخاطر فشل حقيقية لنموذج إنجاز سهل يعطي مؤشراً سلبياً لما يمكن أن يحدث مثلاً في حل الأزمة الإسكانية التي هي اكثر تعقيدا وتشابكا من مسألة هيكلة شركة طيران وكذلك الامر نفسه بالنسبة إلى تطوير التعليم او القطاع الصحي، فضلا عن تخصيص الموانئ او الكهرباء او الخدمات العامة الاخرى، فالفشل الاداري في قضية صغيرة يعطي مؤشرات سلبية تجاه حل اي ازمات اكبر. وبالتالي فإن تعثر تطوير «الخطوط الكويتية» سواء كان الحق مع الوزير او رئيس الشركة لا يصب في اتجاه حلحلة المشكلات والازمات الكبرى التي بدأت تتنامى في الكويت خلال السنوات العشر الأخيرة ولا يعطي كثيرا من التفاؤل في حلها او في تبني مشاريع كبرى كتحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري او تنفيذ خطة التنمية او حتى ما يرتبط بها من مؤشرات تنافسية تحتل الكويت فيها مراكز متدنية عالمياً. من المهم ان تقتنع الادارة في الكويت ان دولة الكويت بحاجة ماسة إلى مشروع إنجاز يعبر عن قدرة الدولة على تقديم نموذج للإدارة السليمة، خصوصاً أن التحديات المقبلة لا يمكن مواجهتها بنفس المنهج الذي تم التعامل به مع «الخطوط الكويتية» او معظم القضايا خلال الـ30 عاماً الماضية وان غياب «مشروع إنجاز» سينعكس سلبا على اي نماذج اخرى، فنحن لا ينقصنا المال، وحتى التشريعات موجودة، أو يمكن توفيرها بمدد زمنية مقبولة، لذلك يتضح ان التعثر في تنفيذ المشاريع يرتبط اولا بضعف الادارة او عدم اكتراثها بتقديم الحلول. لدينا خلال السنوات القليلة المقبلة ما هو أصعب بكثير من هيكلة او تخصيص شركة طيران، فحسب الأرقام المنشورة، التي تعرفها الحكومة وجهازها التنفيذي جيدا، فإن الكويت مقبلة على مصاعب حقيقية، فمثلا الحكومة التي يطلب منها اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً، عليها بعد أقل من 18 عاماً أن توفر 74 الف وظيفة سنويا، وهو أمر شبه مستحيل في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص. كما ان الطلب الإسكاني الذي يناهز اليوم 108 آلاف طلب سيرتفع خلال 5 إلى 7 سنوات إلى 150 ألف طلب غير مستوف، فضلاً عن أن الشباب دون 24 عاما يشكلون 60 في المئة من إجمالي الشعب الكويتي، وهم عامل ضغط كبير على خدمات الدولة خلال 20 عاما قادمة، خصوصا في ظل زيادة عدد المواليد. الحديث عن أرقام مرعبة في القطاعات الخدمية، وما يقابلها من نمو مطرد في الموازنة العامة التي نمت خلال 10 سنوات من نحو 5 مليارات دينار إلى 22 مليارا، يستوجب البحث عن «نموذج إنجاز» للكويت، خصوصا في ظل تحديات كبيرة ليس اقلها ان الميزانية العامة للدولة في حال الاستمرار بالنهج الحالي ستبدأ في تسجيل العجز اعتباراً من عام 2020 بواقع 3.5 مليارات دينار في السنوات الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي لعام 2030 نحو 174 مليار دينار، وعندها سنحتاج إلى سعر 213 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة التعادل. الكويت اليوم بحاجة ملحة إلى نموذج إنجاز، وليكن في قطاع الطيران كي تقدم للناس نموذجا حقيقيا للخصخصة يزيل الكثير من الشكوك من أن تكون الخصخصة بيعا لاصول البلد بأبخس الاثمان كما تقدم نموذجا آخر لكيفية الادارة الجيدة والخدمة التنافسية للقطاع وقتها ستكون الادارة الحكومية نجحت في اختبار يسهل عليها خوض الاختبارات الاخرى الاصعب... لكن حتى هذا اللحظة لا يوجد ما يشير الى حدوث هذا النموذج في ظل السياسات الحالية.
اقتصاد
تقرير اقتصادي : «الخطوط الكويتية»... نجاحها مهدد بالفشل رغم سهولته!
28-11-2013