مسرحية «الطائفة 19» لفريد وماهر الصباغ... خطوط لوطن مستقبلي طائفته الوحيدة {القانون}
حكاية جديدة للاستقلال تسطرها مجموعة آمنت بطائفة واحدة هي طائفة الوطن وحرية ممارسة الدين من دون الحاجة إلى تسجيله في سجلات الدولة. هذه المجموعة ليست شخصيات فكرية تفلسف الأمور وتتكلم بمنطق العقل، بل سجناء ينتمون إلى طوائف يتشكل منها المجتمع اللبناني، وضعوا في سجن خاص لإعادة تأهيلهم، فإذا بهم يحدثون هم عملية تأهيل المجتمع برمته بعدما مزقته الحروب الأهلية، ونخرته الطائفية وكادت تقضي عليه...
في مسرحية {الطائفة 19} (تعرض على خشبة مسرح قصر المؤتمرات في منطقة ضبية- شرق بيروت)، لفريد وماهر الصباغ، تنقلب المقاييس، فيصبح السجناء أبطالا وأحراراً والزعماء سجناء مصالحهم وميولهم الشخصية ولا مانع لديهم من تقسيم البلد لحماية أهوائهم... وحده دور الجيش اللبناني لا يتغير ماضياً وحاضراً ومستقبلا، وعلى أكتافه ستقوم دولة المستقبل، الدولة المدنية... {فهو صنو الأرز شامخا لا يقهر}.
وراء قضبان السجن تبدأ أحداث المسرحية، وفي قلبه يتحول السجناء من مجرمين إلى مواطنين يحلمون بوطن لا يقيس الناس وفق طائفتهم بل وفق قدراتهم وإمكاناتهم وإنسانيتهم، وإذا كان الهدف من وجودهم إعادة تأهيلهم لينخرطوا في المجتمع، فإن هذا الهدف بالذات يغير مساره، بعدما يتناولون دواء اخترعه خبيران يابانيان يشفي من الطائفية، ويتخذ من التمرد عنواناً له، بقيادة ضابط شاب يطمح إلى وطن حر بكل ما للكلمة من معنى، إلا أنه يصطدم بالمصالح الفئوية وتقسيم البلد الصغير وتفتيته، فلا يرى بدا ورفاقه المتمردون إلا جبل النفايات للهرب إليه، لأنه لا ينتمي إلى أي طائفة، مع ذلك تلحق بهم الطائفية ومحركوها، فيضطر إلى الهرب لحماية الدواء الذي اخترعه الخبيران، فيما يفضل السجناء الـ 18 الاستشهاد في سبيل الاستقلال الثاني.مسرح مستقبليمسرحية وطنية بامتياز، عرف فريد وماهر الصباغ كيف يحولان السجن إلى صورة مصغرة عن لبنان، وكيف ينقلان رؤيتهما لبلد طائفته الوحيدة هي القانون، ويوصلان الرسالة على لسان سجناء خرجوا من السجن ليجدوا أنفسهم في سجن أكبر هو الطائفية، فيلجأون إلى جبل النفايات الذي يضم نفايات الطوائف. لا يريد فريد وماهر صباغ تجاوز رسالة لبنان الحضارية منذ آلاف السنوات والقائمة على احتضان الأديان السماوية، لكنهما يطمحان إلى شطب الطائفية من النفوس، مع إدراكهما أن التغيير يبدأ في المدارس ومع تنشئة جيل جديد يقوم على المواطنة بعيداً عن مظاهر التعصب ، ثم العمل على وضع قانون واحد للأحوال الشخصية.اللافت في المسرحية أن فريد وماهر الصباغ يفرقان بين الطائفية والإيمان، فرددا، أكثر من مرة على لسان السجناء، {كلما زاد الإيمان قلّت الطائفية}، وألا وجود في المجتمع سوى للوطن الذي وحده يجمع. يصنّف فريد وماهر الصبّاغ المسرحية في خانة المسرح الغنائي {المستقبلي}، كون أحداثها تدور بعد حوالى 20 إلى 30 سنة من اليوم، وهو نوع جديد من المسرح اللبناني، {فإن كانت المسرحيات التاريخية تذكرنا بأحداث الماضي لنتعلم منها من أجل المستقبل، فالمسرح المستقبلي ينبهنا مما قد يحدث بحال استمرينا على ما نحن عليه في الوقت الحاضر، لا سيما إقحام الطائفية في تفاصيل الحياة اليومية}.وبما أن الطائفية السياسية متحكمة بالبلد، ما يجعل إلغاءها أمراً مستحيلاً، ابتكرا طائفة جديدة غير دينية هي {الطائفة {19، تجمع كل لبناني يؤمن بالعيش المشترك وبرسالة لبنان السامية، بتعددية طوائفه والاحترام المتبادل بين مواطنيه، مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والطائفية.تكامل العناصرالمسرحية من تأليف وتلحين وإخراج وتمثيل فريد وماهر الصباغ، يشارك في البطولة يوسف الخال بدور النقيب الذي يأخد على عاتقه إيصال لبنان إلى التغيير الجذري وولادة {الطائفة {19، يؤدى أدوار السجناء: كارين رميا، نزيه يوسف، أسعد حداد، خالد السيد، عبدو شاهين، زاهر القيس، دور العالِم الياباني نبيل أبو مراد، دور الزعيم رفيق فخري، دور الصحافية جسي عبدو، دور حارس السجن كل من ألان العيلي وسبع البعقليني، دور ضابط مغوار طارق شاهين، دور مصور صحافي برنار الحاج. وتؤدي الطفلتان ماريا الصباغ وجاين الصباغ دوري الجيل الجديد الذي يحمل مشعل {الطائفة {19.بين التمثيل والإخراج والموسيقى والغناء والديكور والسينوغرافيا تتكامل عناصر المسرحية لتجعل من مشاهدها مجموعة قصص تطاول كل شخص، ويرى فيها المتفرج بعضاً من آلامه وأماله، كل ذلك ضمن أجواء من المتعة التي تأسر المشاهد منذ بداية المسرحية حتى نهايتها، وهذا ما يميز بالذات مسرح الأخوين الشابين فريد ماهر الصباغ اللذين يتمتعان بهوية فنية خاصة تضفي تنوعاً وتجدداً على فن المسرح في لبنان.