الإنفاق الاجتماعي الحكومي بالمليارات والنتائج دون الطموحات
عام 2013 الأعلى إنفاقاً على الخدمات... و«طوابير» المرضى ومخرجات التعليم مؤشران إلى تزايد الأزمة
كانت الكويت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي متقدمة على دول الخليج بمراحل في جميع المستويات التعليمية والصحية وغير ذلك، حتى كان بعض مواطني الدول الخليجية يأتون إليها للعلاج والاستفادة من الخدمات الصحية، وكانت أيضاً تستقبل طلبة تلك الدول لتلقي العلوم في مدارسها وكلياتها آنذاك.
وبعد عقود على مرحلة كانت فيها الكويت درة الخليج، شهدت القطاعات الخدماتية المحلية ترهلاً في مقابل تقدم مشهود في كثير من القطاعات الخليجية المماثلة، فرغم الإنفاق غير القليل على القطاعات المحلية، فإن النتائج العملية تبقى دون المستوى المطلوب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المبررات والأسباب... بالإضافة إلى سبل الخروج من هذه المعادلة غير المنطقية بين وفرة الإنفاق عبر الميزانيات الضخمة وضآلة العائد.
وبعد عقود على مرحلة كانت فيها الكويت درة الخليج، شهدت القطاعات الخدماتية المحلية ترهلاً في مقابل تقدم مشهود في كثير من القطاعات الخليجية المماثلة، فرغم الإنفاق غير القليل على القطاعات المحلية، فإن النتائج العملية تبقى دون المستوى المطلوب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول المبررات والأسباب... بالإضافة إلى سبل الخروج من هذه المعادلة غير المنطقية بين وفرة الإنفاق عبر الميزانيات الضخمة وضآلة العائد.
أكدت التقارير الحكومية الرسمية بشأن أسس تقديرات الميزانية للسنة المالية 2012/2013، أنها تضمنت حيزاً كبيراً من الإنفاق لمصلحة المشاريع الإنتاجية الحيوية ذات الجدوى الاقتصادية في مجالات التعليم والصحة والإسكان والكهرباء وغيرها، عملاً بتوجهات تحسين مستوى الخدمات التي تقدم للمواطنين على هذا الصعيد، بالإضافة إلى الاستمرار في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والطرق والمواصلات والاتصالات، لتحسين مناخ الاستثمار.وعبّرت الاعتمادات المخصصة لقطاعي الخدمات الاجتماعية، والخدمات الاقتصادية عن تلك التوجهات، حيث خصص لها نحو 13 مليار دينار تمثل ما نسبته 62.9 في المئة من جملة الاعتمادات المخصصة للانفاق العام، وأسفر الحساب الختامي عن مصروفات فعلية في القطاعين المذكورين بلغت نحو 12.332.5 مليون دينار، وبنسبة 13.9 في المئة من جملة المصروفات الفعلية لجميع أبواب المصروفات.
ومن تلك التفاصيل يتضح استحواذ قطاع الخدمات الاجتماعية على النسبة الأعلى من الإنفاق على جميع القطاعات، ويشمل هذا القطاع الخدمات التعليمية، والصحية، والتكافل الاجتماعي، والشؤون الاجتماعية، حيث استحوذ على ما نسبته 38.1 في المئة من جملة المصروفات الفعلية للسنة المالية 2012/2013، في حين مثلت مصروفات نفس القطاع ما نسبته 39.4 في المئة، 31.9 في المئة من جملة المصروفات الفعلية في السنتين الماليتين 2011/2012، 2010/2011 على الترتيب.وزادت المبالغ المصروفة على الخدمات التعليمية في السنة المالية 2012/2013 بنحو 528.1 مليون دينار، بنسبة 27.3 في المئة عنها في السنة المالية 2011/2012. كما زادت المبالغ المصروفة على الخدمات الصحية في السنة المالية 2012/2013 بنحو 157.4 مليون دينار، بنسبة 14.3 في المئة عنها في السنة المالية 2011/2012.مصروفات فعلية بالغةوشكلت المبالغ المصروفة على قطاع الخدمات الاقتصادية ما نسبته 25.8 في المئة من جملة المصروفات الفعلية البالغة 19.307.6 مليون دينار، حيث بلغت مصروفات هذا القطاع نحو 4.972.3 ملايين دينار بزيادة بلغت نحو 504.7 ملايين دينار، وبنسبة 11.3 في المئة عن نصيبه من مصروفات السنة المالية 2011/2012، ويتركز الصرف في وزارة الكهرباء والماء لوقود تشغيل المحطات وكذلك وزارة النفط في دعم المنتجات المكررة والغاز المسوق محلياً.وفي قراءة لتقارير الجهات الرقابية يتضح أن ثمة ملاحظات على الإنفاق الكبير والعائد المتواضع مع دعوة الجهات الرقابية إلى إعادة النظر في تسعير الخدمات والنتائج المطلوبة، ودراسة أسباب بطء الجهاز الحكومي وتأخره عن تطوير القدرات التنفيذية في الجهات الحكومية، لتتمكن من استيعاب الفوائض المالية باستغلالها في زيادة حجم الإنفاق الرأسمالي وتنفيذ ما يعتمد منه لمشاريع خطة التنمية.ورغم الأرقام الفلكية فإن مستوى الخدمات متواضعة جداً، ويعاني المجتمع ترديا في الخدمات الصحية في البلاد بصورة عامة، ووزارة الصحة تتقاعس عن اتخاذ أي إجراءات فعالة لمعالجة هذه الاوضاع المتردية، وإيجاد الحلول الحقيقية لها رغم ضخامة الميزانية المرصودة لها.الزائر للمستشفيات يشاهد "طوابير" طويلة تقف في ممراتها أمام عيادات الأطباء بانتظار الدور لتلقي العلاج، وير مستشفيات متهالكة، بمعدات قديمة تالفة بنيت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على أساس الطاقة الاستيعابية التي تتناسب مع الكثافة السكانية التي كانت موجودة آنذاك، أما الآن بعد أن تضاعفت الكثافة السكانية عدة مرات فإن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لم تعد تكفي، ولاسيما عدد الأسرة وكمية ونوعية الطواقم العاملة فيها والأجهزة والمعدات المستخدمة. تدهور واضحورغم اعتماد الميزانيات المالية الكبيرة الكفيلة بتطوير الخدمات الطبية والصحية والعلاجية والوقائية، فإن أرض الواقع تُنبئ بشيء آخر، هو الإهمال والتردي في مستوى الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية، سواء من حيث عدد الأَسِرة بالأجنحة العلاجية، أو لعدم كفاءة هيئة التمريض، أو لإهمال الأطباء وتقاعسهم، أو لِتَعَطل الأجهزة إلى غير ذلك الكثير من أوجه القصور والإهمال. ومن المؤسف أننا رغم صرف ملياري دينار سنويا على القطاع الصحي، فإن هناك عجزاً متناميا بمستشفياتنا الحكومية، فالكوادر الطبية والتمريضية تعاني نقصاً، وعدم وجود كفاءات، والأجهزة محدودة، والسعة الاستيعابية غير قادرة على التماشي مع الزيادات المطردة بالتعداد السكاني، والمباني متهالكة، والتوسعات لا تكاد تغطي إلا الموجود.جمعيات النفع العامخصصت الدولة لجمعيات النفع العام مخصصات مالية سنوية، إذ إن بعضها تجاوز عمره 40 عاماً، ولم تقدم في العمل الاجتماعي سوى نواد تفيد المجتمع في تمضية أوقات الفراغ، ولم تقدم أي إضافة للتجربة الديمقراطية الكويتية، أو تحقق ما يطمح اليه الناس من رخاء واستقرار، بل انها باب من التكاليف المالية على عاتق الحكومة بلا طائل، ودون ان تؤدي دورها المنوط لخدمة المجتمع، وأصبحت عبئاً مالياً على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إذ إن كل واحدة تكلف هذه الوزارة سنوياً نحو 100 ألف دينار، وللأسف كل هذه المؤسسات والجمعيات لا تعمل وفق أهدافها وبرامجها، ما يجعل الكثير يحارون في أمرها، وكيف يمكن لشعب لا يتجاوز عدده مليون ونصف نسمة أن يكون لديه كل هذا الكم من الجمعيات والمؤسسات دون أي دور اجتماعي فعّال يذكر.بدوره، أكد الأستاذ المساعد في كلية الدراسات التكنولوجية الدكتور فوزان الفارس أن الإنفاق على التعليم يعتبر استثماراً في رأس المال البشري، ويساهم في رفع الدخل القومي للدولة، ولقد خصصت حكومة دولة الكويت ما نسبته ١١ في المئة من إجمالي الإنفاق على التعليم، ولكننا لا نرى هذا الأثر بسبب عدم اهتمام سوق العمل بمتطلباته من الموارد البشرية (أهمها القطاع الحكومي- الوزارات والهيئات الحكومية) وتعيينه المخرجات دون تمييز أدى إلى عدم توجيه القائمين على مؤسسات التعليم العالي إلى سياساتهم التعليمية، وبالتالي قبولهم لمخرجات التعليم العام والخاص دون تحديد مستوى التعليم المطلوب، وهذا بالتالي أدى إلى اختلال سياسات التعليم العام والخاص، لذلك هي سلسلة مترابطة ما بين سوق العمل ومؤسسات التعليم العالي ومؤسسات التعليم العام والخاص والربط بينهم مفقود.وأضاف الفارس "بشكل أكثر تفصيلاً على مستوى التعليم العام نجد عدم إلمام القيادات التربوية بالتوجهات الحديثة في التعليم والتركيز على الأعمال الإدارية دون وضع الجودة في الاعتبار. أيضاً عدم تطور الهيئة التدريسية لاستيعاب وسائل وطرق التعليم الحديثة، مع كثرة التغييرات التي تحصل في القرارات المنظمة للعمل وانضواء التواجيه العامة تحت مظلة وزارة التربية، وهي تمثل الجهة الرقابية على الأداء التعليمي. وعلى مستوى التعليم العالي نجد أن تطوير السياسات التعليمية والبرامج لا يضع في الاعتبار المعرفة والمهارات المطلوبة لمخرجات قطاع التعليم العام والخاص، بل يركز على احتياج سوق العمل من التخصصات، ولا يتم تطوير البرامج بشكل سلس ومرونة ليتوافق مع التطور السريع في التكنولوجيا وتغيرات سوق العمل، فينتج مخرجات زائدة على الحاجة وغير مطلوبة.وتابع "على مستوى سوق العمل لا يتم تطوير الأعمال داخل مؤسساته بما يتناسب مع التعليم الحديث، مع فقد الارتباط بين مؤسسات التعليم العالي وعدم الاهتمام بإدراج منظمات وجمعيات النفع العام التخصصية معها لتكوين مصادر معلومات ومراكز اتصال". وبيّن الفارس أن لحل هذه المعضلة يجب على الحكومة تشكيل لجنة أو هيئة تضم المسؤولين في وزارات الدولة والقائمين على التعليم العالي والتعليم العام وممثلين من التعليم الخاص، لوضع سياسة متكاملة تضمن تطوير المناهج في قطاعي التعليم العام والخاص، بما يتناسب مع متطلبات مدخلات مؤسسات التعليم العالي، وبالتالي ضمان خروج نوعية مميزة وفعّالة لسوق العمل، مع تطوير الهيئة التدريسية في مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات التعليم العام. أيضاً وضع معايير للجودة التعليمية تمكن من قياس الأداء التعليمي ومن ثم تقويمه. ويجب الوضع في الاعتبار التطوير الإداري داخل وزارة التربية، سواء على مستوى الهيكل التنظيمي، أو الدورة المستندية، أو تطوير قدرات العاملين والقيادات التنفيذية والوسطى والعليا، واستخدام الاتجاهات الحديثة في تطوير الأعمال الحكومية، لأن هذا الأمر متطلب وطني، وعلى الجميع المشاركة فيه بروح عالية ووطنية.مخرجات التعليم... تدهور واضح ومستوى متدنٍّلا خلاف على أهمية التعليم في أي دولة بالعالم، ولكن كثيراً من الأكاديميين يرون أن هناك تدهوراً واضحاً فيه بالكويت، مؤكداً أن انخفاض مستوى مخرجات التعليم الثانوي تنعكس سلباً على مستوى مدخلات الهيئة، لأن التعليم الثانوي هو من يزود جامعة الكويت وكليات التطبيقي بمخرجاته، مشيراً إلى أن أسباب هذا التدهور اختلف المتخصصون عليها فانحصرت ما بين المناهج، والمباني التعليمية، والأسرة، والمعلم، بل هناك من قال إن الخلل في الطلبة أنفسهم.إن مشاكل التعليم المستمرة تأتي نتيجة لعدم تطور عنصر التنمية البشرية وأعمالها، الأمر الذي أدى إلى عدم رقي بعض مخرجات التعليم في سوق العمل، لهذا يجب الاهتمام بالتنمية البشرية، لأننا مجتمع شاب ونحن أمام تحد هو توفير التعليم المناسب وفرص العمل، وهو تحد مهم جداً أمام مؤسسات الدولة، وإنجاز مهم إذا تم تحديد الأهداف لتطوير التنمية البشرية.ويقارن الأكاديميون بين تجربة التعليم في دولة سنغافورة وبين الكويت من حيث وجه الشبه، فيرون أن سنغافورة على مستوى العالم باتت الأفضل في التعليم العالي، رغم استقلالها في الستينيات، ومع ذلك تطورت بسرعة، وقال إن أسباب هذا النجاح في نظامهم التعليمي أنهم اعتبروا التعليم حجر الزاوية في التطور الاقتصادي لبلدهم، للخروج ببلدهم من الضعف إلى القوة، وانعكس هذا الشعور في عدة قضايا، أهمها أن الإنفاق على التعليم يأتي في المرتبة الثانية بعد الدفاع، حيث بلغت نسبة الإنفاق على التعليم 20 في المئة من الميزانية، وإذا ما قارنّا ذلك على واقعنا في الكويت من خلال التقارير والدراسات وضمنها تقرير البنك الدولي، نجد أن تكلفة الطالب في الكويت هي الأعلى في العالم. وحسب تقارير وزارة التربية فإن تكلفة الطفل في الروضة على الدولة تبلغ 4500 دينار سنوياً، ووصلت بعد اقرار الكادر الى نحو 5500 دينار، ولكنه أشار إلى أن الإنفاق يختلف بيننا وبين سنغافورة، فالإنفاق هناك يذهب للتطوير، بينما لدينا يذهب للرواتب والحوافز التي ربما لا تكون مجدية، فالقائمون على العملية التعليمية بسنغافورة 3 جهات هي وزارة التربية، والجامعة التكنولوجية، والمدارس وجميعها تربطها تعاون كبير، فوزارة التربية تضع السياسات التعليمية، وأعضاء هيئة التدريس يقومون بالبحث وتدريس الطلبة وتدريبهم، فلا يوجد لديهم من يعمل بمعزل عن الآخر، بعكس ما هو معمول به لدينا، حيث نجد أن وزارة التربية هي من تضع الخطط التعليمية وتطبقها عبر المناطق التعليمية وتقيمها عبر مدارسها المنتشرة.