المالكي «محظوظ» بخسارة الأكراد أمام «داعش»
سلاح أميركي يلحق الهزائم بحلفاء واشنطن في كردستان
ليس التقدم المفاجئ الذي بدأ تنظيم "داعش" بإحرازه على الجبهة الكردية منذ عصر السبت مجرد معركة جديدة مفاجئة ضمن فصل الموت الذي افتتح منذ سقوط الموصل قبل سبعة أسابيع، بل هو حزمة من المفارقات في إطار جو من التخوين السياسي يجتاح البلاد برمتها، على وقع محاولات الأحزاب استبدال رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي.فطوال أسابيع حاول كثيرون من الشيعة الموالين للمالكي، اتهام رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني بالخيانة والتواطؤ مع "داعش" وتسليم الموصل بهدف إضعاف بغداد، وحاولوا عبر ذلك التهربَ من مسؤولية الكارثة العسكرية التي ما كان لها أن تحصل لولا انسحاب نحو 40 ألف جندي كانوا يأتمرون بتعليمات بغداد. بينما كان الأكراد يحاولون إثارة انتباه الجميع إلى أن المتضرر الأساسي مما حصل هو إقليم كردستان المحاذي مباشرة للموصل وكل المناطق التي احتلها "داعش"، والأسوأ من ذلك ما تحدث عنه البرزاني مراراً، من افتقاد قوات البيشمركة الكردية للتسليح الكافي، وما يمثله ذلك من انعدام في التوازن العسكري. فالبيشمركة لا تمتلك تسليحاً سوى غنائم روسية قديمة من جيش صدام حسين، وبعض المساعدات العسكرية المحدودة من الجيش الأميركي، وسط حذر واشنطن من تسليح الأكراد لعدم إثارة غضب بغداد وقلق أنقرة وطهران، بينما أتيح لتنظيم "داعش" أن يحصل على نحو 100 مدرعة أميركية و60 مدفعاً أميركياً ثقيلاً، كغنائم سهلة ربحها من الجيش العراقي المنسحب مطلع يونيو الماضي.وتقول وسائل الإعلام الكردية إن نجاح "داعش" خلال اليومين الماضيين في انتزاع مناطق مهمة من الأكراد، بينها ناحية زمار وبلدة سنجار، وتهديد عشرات البلدات الأخرى التي تقطنها أقليات دينية مختلفة، حصل بفضل قصف مكثف قام به مسلحو التنظيم الإرهابي للبيشمركة الكردية، استخدموا فيه السلاح الأميركي لإخضاع الأكراد الحلفاء المقربين لواشنطن، والذين لا يمتلكون سوى أسلحة روسية بسيطة، أعلنت أربيل مراراً أنها لن تصمد في المعركة الحالية.السلاح الأميركي لدى "داعش"، والتسليح الروسي البسيط لدى الأكراد، يرسم الإطار الأولي لمفارقة أكبر، إذ يقول مراقبون إن الحل العملي أمام البرزاني حالياً هو طلب مساعدة عسكرية من بغداد التي تمتلك سربين أو ثلاثة من مقاتلات السوخوي الروسية، إذ لا يبدو أن أميركا أو تركيا في وارد التدخل السريع، لكن الثمن السياسي لأي مساعدة تقدمها بغداد منعاً لانهيار قوات الأكراد، سيكون لها ثمن سياسي باهظ.فمن جهة لن يقدم المالكي المساعدة للبرزاني الذي يمثل، طوال سنوات، رأس الرمح في جبهة معارضي المالكي والمطالبين باستبداله، وسينتهز الفرصة لإحراج الأكراد ليقدموا تنازلات لمصلحة ولايته الثالثة التي أصبحت "في مهب الريح" بعد مواقف النجف الرافضة لعودته رئيساً للوزراء. وعلى تقدير أن تتطور المواقف العسكرية ويضطر الأكراد إلى التعامل مع المالكي، فإن الأخير سيطمع في أن يقول للنجف إن ترشيحه لرئاسة الحكومة مقبول من الأكراد، ومن بعض السُّنة، وهو ما سيحرج المرجعية الدينية للشيعة كثيراً.أما الأخطر من هذا فهو الجنرال قاسم سليماني ممثل الحرس الثوري في ملف العراق، فهو يمسك الآن بخيوط الجيش وإمكاناته العسكرية داخل العراق، ويخوض معارك بجيش كبير من المتطوعين، وهو غير مرتاح لتقارب أربيل الشديد مع أنقرة، وأمامه الآن فرصة أن يساوم البرزاني على مساعدة عسكرية جوية، مقابل تنازلات لمصلحة إيران.وهكذا يبقى كثير من المراقبين يستغربون كل هذه "الهدايا" التي يقدمها تنظيم "داعش"، لإيران والمالكي أيضاً، في خلطة يمتزج بها التسليح بالخسارات والتوقيتات الضيقة لتشكيل الحكومة الجديدة في بغداد.