رأي: لا تيأسوا بعد من الأسواق الناشئة

نشر في 15-05-2014
آخر تحديث 15-05-2014 | 00:01
 بلاك ستون في بداية العام، كانت هناك ثلاثة مجالات محتملة لتوزيع الأصول نأى عن التفكير بها معظم مديري المحافظ الاستثمارية العالمية. فخلال سفري إلى أنحاء الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم، لم أكد أصادف أحداً من عملائنا يريد أن يسمع عن اليابان أو السلع أو الأسواق الناشئة.

وحتى الآن، تبيّن أنهم كانوا مخطئين بشأن السلع، التي اخترتها ضمن توزيع الأصول المختلف جذرياً لديّ، إذ تجاوزت نطاق التداول التقليدي لتأخذ منحى تصاعدياً. والسبب؟ تواصل مستويات المعيشة تحسّنها في الدول النامية، ومن أوائل ما يفعله المستهلكون عندما يزيد دخلهم هو تحسين نوعية طعامهم. وهذا يعني المزيد من اللحوم والدواجن، والتي تتطلب المزيد من الحبوب لتغذيتها، فضلاً عن استهلاك أكبر للحبوب من قبل الأفراد. ونتيجةً لاستمرار النمو في الدول النامية وبقاء الإنتاج الزراعي على حاله، أو تراجعه بسبب تغيرات الطقس، فقد ارتفعت أسعار الذرة والقمح وفول الصويا.

أما بالنسبة للمجالين الآخرين اللذين أهملهما المستثمرون، أي اليابان والأسواق الناشئة، فقد كان أداؤهما هذا العام ضعيفاً. إذ تأثرت اليابان سلباً بزيادة ضريبة المبيعات في شهر أبريل من 5 في المئة إلى 8 في المئة، كما استمر القلق بشأن ضعف الاقتصاد الصيني.

معاناة الأسواق الناشئة

وعانت الأسواق الناشئة لسببين رئيسيين: أولهما الاعتقاد بأن استمرار البنك الاحتياطي الفدرالي في تقليص مشترياته من الأصول سوف يرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ويدعم سعر صرف الدولار الأميركي، وهو ما سينعكس سلباً على الأصول المسعّرة بعملات الأسواق الناشئة. ونتيجة لذلك، شهدت أسواق آسيا وأميركا اللاتينية عمليات بيع للأوراق المالية من قبل المستثمرين المحليين والعالميين، على الرغم من أن النمو في تلك المناطق أفضل بشكل ملموس من الدول المتقدمة.

وقد كان للأزمة الروسية الأوكرانية أيضاً تأثير واسع في الأسواق الناشئة لأنها أبرزت السبب الثاني لقلق المستثمرين، وهو مسألة المخاطر السياسية. ومع أن أوكرانيا لم تكن قط محلّ اهتمام المستثمرين، فقد سببت تصرفات روسيا هناك مخاوف على امتداد العالم النامي. وكانت بداية تلك الأزمة عندما فكّرت أوكرانيا بالاقتراب أكثر من الاتحاد الأوروبي، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعتقد أن تفكك الاتحاد السوفياتي كان أسوأ كارثة جغرافية سياسية في القرن العشرين، لم يكن ليسمح بتحول أوكرانيا إلى جزءٍ من أوروبا. وقد أدت تصرفاته إلى الاضطرابات الحالية التي تعصف بذلك البلد.

تباطؤ الاقتصاد الصيني

ناقشت موضوع الصين مع ستيف روتش، زميلي السابق في مورغان ستانلي، عبر رسائل البريد الإلكتروني. فقد كنا نتحاور على مدى الأشهر القليلة الماضية بشأن التباطؤ في الاقتصاد الصيني، وفيما إذا أصبح قطاع المستهلكين أهم العوامل المحركة للنمو بدلاً من الإنفاق القائم على الائتمان في الشركات المملوكة للدولة ومشاريع البنية التحتية. يعتقد ستيف أن الاقتصاد الصيني قد لا يضعف لأن قطاع الخدمات أصبح أكثر أهمية، فكل نقطة مئوية من النمو في قطاع الخدمات تولد فرص عمل تزيد بنسبة 30 في المئة عما تولده نقطة مئوية من النمو في قطاع الصناعة. وهو يعتقد أن النمو سيصبح معتدلاً بصورة تدريجية، وسوف يتم استحداث عدد كبير من فرص العمل سنوياً، ما يقلل احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية.

وبمناسبة الحديث عن الصين، فقد أثمرت المناقشات العديدة التي أجريتها خلال رحلتي هناك عن رؤى تستحق أن أذكرها. فقد كان أحد المستثمرين يشعر بالقلق إزاء أوجه التشابه بين الصين الآن واليابان في ثمانينات القرن الماضي، عندما شهدت اليابان نمواً كبيراً قبل أن يهبط مؤشر نيكاي 225 بنسبة 75 في المئة. لكنني أشرت إلى بعض الاختلافات المهمة. فعدد سكان الصين يبلغ عشرة أمثال اليابان، ولا يتجاوز نصيب الفرد من الدخل عُشر معدل الولايات المتحدة. ولذلك يمكن للصين، من خلال تحسين مستوى المعيشة، أن تأمل في استمرار نمو اقتصادها لفترة طويلة، خاصة إذا نجحت في تحويل عناصر النمو نحو المستهلك. كما تمتاز الصين بسلطة مركزية يمكنها اتخاذ القرارات بسرعة وتنفيذها دون تأخير. وهذا يختلف تماماً عن البرلمان الياباني، حيث يمكن للعملية التشريعية أن تطول إلى ما لا نهاية كما يحدث في الكونغرس الأميركي.

مشكلة التلوث

لكن ما يجب على الحكومة الصينية فعله دون تأخير هو معالجة مشكلة التلوث الهائلة في البلاد. فقد عانيت شخصياً من حرقة في العين وألم في الحلق عندما كنت في بكين. وتشير التقارير إلى أن 280 مليون شخص لا يحصلون على مياه شرب نظيفة، ما يسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان. كما أن تلوث التربة من النفايات الصناعية مشكلة جديّة في الصين. ولا بد أن تتصدى الصين لمشكلة التلوث إذا أرادت لعب دورٍ عالمي متزايد الأهمية في فلك الاقتصاد والجغرافيا السياسية.

سألني مستثمر آخر عما يمكن فعله لدفع المستهلكين الصينيين لإنفاق المزيد، فأجبته بأن تحسين شبكة الأمان الاجتماعي قد يساعد على تحقيق ذلك. حيث يحرص الصينيون على الادخار من أجل توفير التعليم الجامعي لأولادهم ومن أجل الرعاية الصحية والتقاعد. وإذا لعبت الحكومة دوراً أكبر في تقديم الخدمات في هذه المجالات، فقد يشجع ذلك الشعب الصيني على قضاء مزيد من الوقت في مراكز التسوق. لكن هذا التغيير لن يحدث بسرعة على الأرجح. وكان بعض المستثمرين متخوفين أيضاً من أن يكون تباطؤ الاقتصاد ناجماً عن نقص الطلب في السوق المحلي وسوق التصدير، وبالتالي فقد يؤدي إلى تراجع فرص العمل، ما قد يسبب مشاكل لحكومة الصين الشمولية. وربما يدخر الصينيون المال تحسباً لمثل هذا السيناريو.

الأسواق الآسيوية

كما لاحظت في كل البلدان الآسيوية التي زرتها أن المستثمرين يشككون في قوة أسواقهم المحلية، وكان المستثمرون اليابانيون هم الأكثر تشاؤماً. وربما يرجع ذلك إلى الصعوبات التي واجهها مؤشر نيكاي 225 خلال الربع الأول، حيث انخفض المؤشر منذ بداية العام وحتى الآن بنسبة 14 في المئة بالين و11 في المئة بالدولار. وعلى المدى الطويل، ستكون شيخوخة السكان سبباً في وصول قوة العمل إلى ذروتها خلال السنوات القليلة المقبلة، وهذا من شأنه أن يجعل النمو بعد ذلك صعباً. وقد أطلقت البلاد برنامج «العامل الضيف» للتخفيف من هذه المشكلة. وكانت سياسة رئيس الوزراء الياباتي شينزو آبي، والتي ركزت على التوسع المالي والنقدي، أثمرت عن نمو قدره 1.5 في المئة ومعدل تضخم يقارب 2 في المئة، ليحقق بذلك اثنين من أهدافه. لكن الركن الثالث لسياسة آبي، وهو الإصلاح التنظيمي والنمو المستدام، يتطلب اتخاذ إجراءات تشريعية قد يصعب تحقيقها.

وتساءل المستثمرون لماذا أخصص 5 في المئة من توزيعات الأصول لدي لأسواق اليابان على الرغم من كل تلك المشاكل. وكان ردّي أن اليابان لم تعد تجتذب المستثمرين، ويندر أن تجد مؤسسة تخصص لها أصولاً، لكن الاقتصاد الياباني عاد أخيراً الى تحقيق النمو وكانت البيانات الأخيرة إيجابية للغاية. كما يوجد عددٌ من الأسهم المتاحة بأسعار معقولة. لذلك توقعت أن خطر حدوث مزيد من الانخفاض صغير نسبياً، وأن هناك فرصة لكسب المال من تلك التقييمات إذا تحولت نظرة المستثمرين إلى الإيجابية. وفي حين أن النمو النقدي والقروض المصرفية قد تباطأت مؤخراً، وهو ما أضعف حماسة بعض المستثمرين، فمازلت أعتقد أن رئيس الوزراء شينزو آبي لن يسمح للبلاد بأن تنزلق من جديد إلى الركود والانكماش، وأنه سيبدأ جولة أخرى من التحفيز إذا تطلّب الأمر.

الاقتصاد الأميركي

أما بالنسبة الى الولايات المتحدة، فما زلت أعتقد أن الاقتصاد الأميركي سيحقق نمواً حقيقياً بنسبة 3 في المئة هذا العام، وأن مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 سيحقق أداءً قوياً قبل نهاية العام. وقد كانت الأسهم الأكثر تضرراً هي الأكثر صعوداً في السنة الماضية لأن المستثمرين أرادوا المحافظة على أرباحهم. وركّز المستثمرون الآسيويون على تقليص البنك الاحتياطي الفدرالي لعمليات شراء الأصول، والذي أضر بالأسواق الناشئة، وتساءل كثيرون عن إمكانية استمراره. وكان جوابي أن البنك الفدرالي سيواصل تقليص شراء الأصول مادام الاقتصاد الأميركي ينمو بمعدل يزيد عن 2 في المئة، ولكنه قد يوقف التقليص مؤقتاً في حال تعثر النمو.

وبالنسبة لأوروبا، فقد لمست وجود مخاوف من العودة للانكماش، لكنّي قلت إنني أتوقع نمو منطقة اليورو بنسبة 1 في المئة في العام الحالي، وهذا يقلل خطر الانكماش. ولايزال الوضع في آسيا يتحسن أسرع بكثير من الأسواق الناضجة، وهو ما قد يدفع للاعتقاد بوجود فرص أكثر هناك.

والمطلوب هو تجديد الثقة من جانب المستثمرين المحليين الذين يسحبون أموالهم حالياً من تلك الأسواق. ومن الفوارق اللافتة في المواقف بين المستثمرين الآسيويين الذين تحدثت إليهم ونظرائهم الأميركيين هو تخوف الآسيويين من أن حدثاً جغرافياً سياسياً قد يؤدي لانهيار الأسهم في أرجاء العالم، بينما يبدو المستثمرون الأميركيون أكثر اطمئناناً. ولا شك أنني آمل أن يكون الآسيويون على خطأ.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون

back to top