يُحكى أن... الأمير حمزة البهلوان (1 - 10): ملك الفرس يفقد عرشه في {المنام}

نشر في 29-06-2014 | 00:02
آخر تحديث 29-06-2014 | 00:02
ارتبطت {الحواديت} دوماً بشهر رمضان الكريم... حكايات تتوارثها الأجيال لتشكل جزءاً مهماً من الثقافة العربية، وهو القصص الشعبية، التي ينتصر فيها الفقراء لأنفسهم دائماً، رافضين المرارة التي تداهمهم كل يوم في الواقع، تلك التي دوَّن العرب فيها أحلامهم وبطولاتهم وعداواتهم، بعيداً عن الثقافة الرسمية، وعن وقائع التاريخ الرسمي الذي يتعلمه الأولاد في المدارس.
اخترنا مقتطفاتٍ من نصوص عدة سير شعبية عربيَّة، لنشارك في الجدل حول التحولات العربية {بعد الربيع العربي}، ولنذكر قراءنا أن أسئلة حرجة مرَّت بالأسرة العربية، على مدار تاريخها الطويل، وأجاب عنها أفراد هذه الأسرة دائماً بالفن، وقد كانت السير الشعبية، الإبداع الأكثر خصوبة في الشارع، يلقيها الحكواتي أو الشاعر للناس في جلسات السمر منذ مئات السنين.

{حمزة العرب}، {الزير سالم}،  {الأميرةذات الهمة} و«علي الزيبق}، ليسوا مجرد هشيم تذروه الرياح، إنهم أبطالنا، ليس لنا سواهم لنطلب نصرتهم في أيام المحن، نتأمل مخاوفهم القديمة من طمع العدو البيزنطي المتربِّص بالسواحل العربية، وقد تصدَّت له الأميرة الفلسطينية الشجاعة، {ذات الهمة}، نعتبرُ من جشع الحكام وظلمهم في عهد {علي الزيبق}، ولنعرف كيف كان الأجداد يتخيلون أعداءهم، لا من كتب التاريخ المدرسية الصماء، بل من حطب الحكايات الشعبية ودمائها، التي ظلت تنزف عداواتها، على مدار التاريخ، وصبَّت ذلك كله في القصص الشعبية.

يقول العارفون بالأدب الشعبي، إن قصة {حمزة البهلوان}،  تقوم على صراع قديم بين القوميتين {العربية الإسلامية} و«الفارسية} المتغطرسة، وتعكس مدى تغلغل الكراهية في قلوب العرب للفرس، ومدى استهزاء الفرس بالعرب.

نبدأ اليوم بالحلقة الأولى من قصة الأمير {حمزة البهلوان}، المعروف بـ {حمزة العرب}، البطل الكرَّار و الفارس المغوار.

كانت دولة الفرس في قديم الزمان دولة عظيمة، ملكتْ زمناً طويلاً واتسع ملكُها شرقاً وغرباً، وكانت العربُ تطيعُها وتؤدي لها الجزية كل عام، يجمعها ملك العرب، النعمان بن المنذر بن النعمان، أحد ملوك الحيرة، ثم يرسلها إلى الملك الأكبر، أي ملك الأعجام والديالمة، الذي كان يقيم في {المدائن} عاصمة مملكة الفرس.

 وكان أطلق على {كسرى أنو شروان}، لقب الملك صاحب التاج والإيوان، لأن تاجه كان يجمع من كل أنواع الحجارة الكريمة، غالية الثمن، حتى ضُرب بها المثل بين الناس، وكانت الملوك تحسده عليه وتتمناه لها، والإيوان كان عالياً جداً حتى قيل إن قنطرته مرتفعة ارتفاعاً لا ينطوي تحت دائرة العقل، وقيل إن الغيمَ كان يلحقُ بها وكثيراً ما كان يمر من تحتِها، وفي نصف هذه {القنطرة} حلقة من الذهب ضخمة جداً، بقيت بعد الأكاسرة زمنا طويلاً، مُعلقة في أعلى القنطرة.

كان مذهبُ العجم، في تلك الأيام هو {المجوسيّة}، يعبدون {النار} ويسجدون لها، من دون الواحد الجبَّار، ويعيِّدون لها ويجتمعون عندها أثناء المواسم وتقديم الهدايا، إلى {المرازية} الموكَّلين بخدمتها والقيمين حولها، يشعلونها على الدوام في الليل والنهار، وكان الملك في روايتنا هذه، هو أحد أولئك الأكاسرة، وقد اشتهر بالحلم والرقة والدعة، كذلك اشتهر بحب الرفعة والزخرفة والعظمة، حتى وصل إلى درجة تفوق العقل الإنساني.

وكان كرسي الملك يجمع تسعمئة ألف نفس من العجم، ما عدا الغرباء، الذين كانوا على الدوام يتقاطرون إلى المدينة أفواجاً، وقيل إن ألفاً من الحجّاب {الحرس}، يقفون بين يديه مشهرين السيوف منذ وجوده في ديوانه إلى حين خروجه، فيسير بين يديه غيرهم، وقيل إنَّ السرير الذي كان يجلس عليه في إيوانه من الذهب {الإبريز} الخالص، يبلغ ثقله عشرين قنطاراً وجميع ما حواليه من الكراسي المعدة لرجال دولته ووزرائه، من الذهب أيضاً.

كان لملك الفرس، {كسرى أنو شروان}، وزيران عاقلان، أحدهما اسمه {بزرجمهر} وهذا كان يعبد الله تعالى، وكان من الحكمة والتعقل والآداب على جانب عظيم يندر وجود مثله في زمانه، أعطاه الله ما لم يعطه لغيره من أبناء جنسه الإنساني، وقد سمى بهذا الاسم وزراء عدة لدولة الفرس في ما بعد، وثانيهما يدعى {بختك بن قرقيش} من أشراف البلاد وأعيانها، وكان محبوباً من الرعايا ورجال المملكة والملك.

وفي أحد الأيام، دخل {كسرى} سريرَ منامه، وهو يفكر بما وصلت إليه دولته، وما ناله من الحكم وطاعة العباد، وبعدما استغرق في نومه، حلم حلماً قبيحاً استيقظ منه مرعوباً وخائفاً، وأقام أكثر من ساعتين قلقاً مضطرباً إلى أن عادته سِنة الكرى ثانية، وما لبث أن رأى الحلم نفسه وشاهد ما شاهده أولاً، فاستيقظ ثانيةً مضطرباً اضطراباً عظيماً، وظل ينتظر قدوم النهار ليخرج إلى ديوانه ويتخلص من أوهام تلك الليلة، ليطلب من وزيره {بزرجمهر} تفسيرَ الحلم.

وزة وكلب وأسد

عندما جاء النهار، وأشرقت شمسه لامعةً على اليابسة، لبس {كسرى} ثيابه وخرج في موكبه المعتاد، غير أنَّ الناس كانت تتعجب من خروجه في مثل هذا الوقت المبكر، من دون أن يعلم أحد السبب، وحين دخل الإيوان جلس على سريره وبعث إلى حاشيته وبطانته من أهل المناصب والمراتب، وجاؤوا واحداً بعد واحد، وكل منهم يدخل فيسجد للملك ثم يرجع إلى كرسيّه.

وصل الوزير {بختك بن قرقيش}، وبعدما استقر إلى جانبه، قال: {حبت النار سيدنا الملك بالسعادة ورافقته بالإقبال، أفدنا عن حالك وما السبب في غيظك واضطرابك، وكدرك الذي نراه يعلو وجهك مع أن البلاد في أمان واطمئنان}.

قال {كسرى}: {رأيتُ حلماً كدرني وبقيت منه حتى هذه الساعة مضطرباً، رأيتُ نفسي جائعاً في إيواني هذا، على سريري، منفرداً عن حاشيتي وأنا أتضوّر جوعاً، وحين قدمت إلىَّ مائدة من الذهب، عليها صحن من العاج، منقوشٌ بالفارسية، وداخل الصحن المذكور {وزة} كبيرة، مقلوة تنبعث منها رائحة شهية}.

تابع: {تاقت نفسي إلى {الوزة}، فحركني جوعي لأتناولها وأسد رمقي، وإذا بكلب هائل المنظر قصير القوائم كبير الرأس، وبره يتدلى إلى الأرض، هَجَمَ علىَّ ونبح، وكشَّر أنيابه فجفلت منه ورجعت إلى الوراء، وبعد ذلك تقدم من الوزة فأخذها في فمه وأراد الخروج من إيواني ومن ثم رأيت أسداً عظيماً يدخل من الباب قبل أن يخرج الكلب منه ولما وصل إليه ضربه بيده فألقاه ميتاً وتناول الوزة من فمه وأعادها إلىَّ من دون أن يلحق بها مكروه}.

قال الراوي: حين سمع الوزير بختك تفاصيل الحلم، طمأن في البداية سيده، قائلاً إنها من قبيل الأوهام، وقد يحدث كثيراً للأنام، ومن المعلوم أن المرء يرى على الدوام مثل هذه الأحلام ولا تكون ذات نتيجة، لكن الملك صمم على أن يسمع تفسير الحلم، الذي رأه مرتين بنفس المعنى والحالة، وقال غاضباً: {لو لم يكن له دليل قبيح لما تكرَّر، نفسي تحدثني بوقوع أمر يكون علينا في المستقبل وبالاً، وإني أعرف جيداً أن هذا الحلم لا يفكه إلا الوزير {بزرجمهر} الخبير في علوم العالم وتفاسير أغماضها، أما أنت يا وزيري {بختك}، فلا معرفة لك بمثل هذه الأمور}.

وبينما الملك والوزير {بختك} يتحاوران، ورجال المملكة يستمعون إليهما، إذا بالوزير {بزرجمهر} يُقبل إلى الديوان، فوقف له الجميع احتراماً، وتلقاه {كسرى} بالترحاب، وقال له: {تعلم أيها الوزير العاقل، أني اصطفيتك على سواك واتخذتك مديراً لجميع أحوالي لمعرفتي بإخلاصك، فلا تخفي عنِّي شيئاً ولا ترضى إلا ما به صالحي وصالح بلادي ومملكتي}.

ثم قصَّ {كسرى أنو شروان} على وزيره {بزرجمهر} المنام، وقال له: {فسر تفسيراً واضحاً ولا تخف شيئاً قط، وإني أشهد أمام الجميع أن أظل راضياً عنك، مهما كان التفسير قبيحاً والعاقبة رديئة، حيث تكون على بصيرة وتقدر أن تعرف الطريق التي تقيناً إذا كان ضيقاً أو قحطاً أو حرباً.. أو ما شاكلها من البليَّات}.

 

مولد {حمزة}

ولما سمع الوزير حلمَ الملك، أطرق إلى الأرض بُرهة، وهو يسأل الله توضيح الحقيقة وإظهار الخفايا، وبعدما بان له كل ما يدل عليه ذلك الحلم، وعرف ما يكون على البلاد، رفع رأسه وقال: {اعلم يا مولاي أن الله سبحانه وتعالى، وهو الإله الذي أعبده، يدبِّر الكون بمعرفته ويدرب العباد بعنايته، وسبق أن كلم أنبياءه، وأظهر لهم ما يريد وما يقصد، كي يعلم الإنسان عظم قدرته، وما وصلت إليه ألوهيته، ولذلك قصد الله أن يظهر لكم ما ستكون عليه دولتكم}.

وأفاضَ الوزير في تفسير الحلم قائلاً: {المائدة التي رأيتها وقد قدِّمت إليك من الذهب الوهَّاج، هي مدينتُك وعاصمة ملكك هذه، والصحنُ والوزةُ التي على الصحن، هما خزينتك وسريرك الجالس عليه الآن، والكلبُ الذي اختطف الوزة هو فارس يظهر في حصن {خيبر}، يطرُقُ بلادَك بالعساكر والأجناد، والأسد الذي نظرتَه هو فارس يظهر في بلاد الحجاز، عظيم القدر، ومعنى هذا الحلم أن الفارس الخيبري يقصد بلادك بعساكره فيتملكها، وبعد حروب يملك الكرسي ويطردك، ثم يأتي الفارس من الحجاز، فيستخلص لك ملكك ويُرجعك إلى سريرك}.

كان الوزير {بزرجمهر} أخفى على الملك جانباً مما رأه من تفسير الحلم، فلم يُخبر {كسرى} أن التفسير يتلخَّص في أن دولة الفرس أصبحت تعاني {شيخوخة الحياة}، ولم يخبره أن الفارس الذي يظهر من {الحجاز}، سوف يرفع نير الفرس عن العرب، وسيهدم معابد النيران الفارسية، وستقع بينه وبين الدولة {الكسروية} حروب قوية تفضي بها إلى الخراب والدمار، لينشر دين الله وعبادته بين عبدة الأوثان وناكري الحق.

 قال الراوي: لما سمع الملك {كسرى} من وزيره هذا الكلام، وقع في ذهنه موقع التصديق، وعرف من نفسه أن ذلك يمكن وقوعه لا بل يتأكد وقوعه، ولذلك قال له يمكن أن تعرف أيها الوزير العاقل إن كان الفارس العربي الذي أشرت إليه ظهر في الحجاز فعلاً أو لم يظهر، فرد الوزير بأنه لا يعرف، حيث لم يظهر له هذا.

 فسأل الملك {كسرى} وزيره: {ألا تعرف في أي مكان من الحجاز يظهر هذا الرجل الذي بان لك أنه يخلِّص بلادي من الأعداء؟}. فقال الوزير: {نعم إنه يظهر في مكة وهي البلد التي تأتي إليه العرب، في كل عام قياماً بواجبات الزيارة}.

في الحال، أمر {كسرى} في الحال أن تحضر الهدايا الثمينة من جواهر وذهب وأمتعة فارسية من كل ما غلا ثمناً وخف حملاً وعرضه على وزيره {بزرجمهر}، وقال له: {أريد منك أن تذهب إلى مكة منذ اليوم وتنظر لي مقر الفارس، وإذا كان ولد ادفع هذه الهدايا إلى أبيه ودعه يربي الغلام على نفقتي ويعتني به ويخصه بدولة الفرس ويجعل له كل الأسباب النافعة، تحت طاعته، حتى إذا وصلنا إلى الزمان الذي أشرت إليه، يكون في طاعتنا وتحت أمرنا، فنرسل ونستدعيه حالاً}.

فأجاب الوزير أمر سيده، وركب في ذلك اليوم وأخذ معه الهدايا والتحف وسار قاصداً بلاد العرب، ومعه جماعة من قوم الفرس يسيرون في خدمته، وهو مسرور جداً بمسيره إلى مكة، ليرى ويشاهد ذلك الشاب، الذي دلت عليه الدلائل، بأنه سيكون سعيداً جداً ويملك البلاد ويخلص العرب من ظلم الفرس ويذل الدولة الكسروية ويهدم معابد النيران، ويصبح له شأن وأي شأن.

الوزير {بزرجمهر}

وبقي الوزير سائراً حتى وصل إلى دار {الحمزة}، فخرج لملاقاته ملك العرب {النعمان بن المنذر}، ورحب به لأيام عدة وسأله عن سبب إتيانه فأخبره أنه يقصد مكة المكرمة، وبعدما قام ثلاثة أيام في ضيافة النعمان، سار إلى مكة حتى وصلها، فبعث رسولاً يخبر حاكمها، وكان اسمه إبراهيم، يخاف الله، عائش على التقوى والعبادة، فلما سمع بقدوم {بزرجمهر} وزير الملك الأكبر {كسرى أنو شروان}، خرج بجماعته إلى خارج المدينة ولاقاه بالترحيب والإكرام، وهو لا يعرف الغاية التي جاء لأجلها.

وزادَ إبراهيم لوزير الملك من التعظيم والإكرام، لعلمه أنه من رجال الله وعباده الاتقياء، ولما استقر المقام بالوزير وارتاح من متاعب السفر، اجتمع بالأمير إبراهيم، وسأله: هل امرأتك حامل؟ قال إبراهيم: {نعم... في الشهر الأخير}، فقال الوزير الفارسي: {أتيتُ لأخبرك أنها تأتي بولد ذكر كأنَّه القمر، يرتفع مقامه ويعلو شأنه، ويخرج أشجع من كل من حمل القنا ونقل الحسام وركب الجواد}... ثم حكى له ما كان من حلم  {كسرى أنو شروان}، صاحب التاج والإيوان، ففرح الأمير إبراهيم بهذه البشارة، وسُر منها جداً، لا سيما عندما علم أن ولده سيكون سبب خلاص العرب من العجم، وتدمير معابد النيران وقلع آثار الكفار.

وبقي الوزير {بزرجمهر} في المدينة المنورة، 15 يوماً، وفي اليوم السادس عشر وبينما كان مقيماً في ديوان الأمير إبراهيم، جاء من يبشرهم بولادة زوجته ولداً ذكراً، فكاد الأمير يطير من الفرح، لأنه الولد البكر، ولأنه سمع عنه قبل أن يصل إلى الوجود، من الوزير {بزرجمهر}، الذي فرح وعرف أن هذا الغلام هو الذي دلت عليه الدلائل، ورأه {كسرى} في حلمه، ولذلك خلع على المبشرين الخُلع، ومثله فعل الأمير إبراهيم، الذي أطلق العبيد منهم، وجعل ذلك اليوم شكراً لله.

وفي اليوم التالي اجتمع الأمير إبراهيم في ديوانه وأقام الأفراح لأهل قبيلته، الذين جاؤوا ليهنئوه بالمولود، منتظراً أن يأتي أحد الخدم بالطفل إلى الديوان، بحسب العادة، حيث يؤتي بالغلام إلى أبيه ويعرض عليه بين رجال قبيلته وقومه ليراه الجميع، ولم يكن إلا القليل حتى جيء بالغلام محمولاً على أيدي العبيد وقدم إلى أبيه أولاً، وحين نظر في وجهه تعجَّب من كبر جسمه وحسن طلعته وبهاء جبهته، لأنه كان طفلاً بديع الصورة، لا يوجد أجمل منه في بين أحياء زمانه.

وبعدما قبَّل الأب الأمير إبراهيم ولده، قدمه للوزير {بزرجمهر} فأخذه وأمعن النظر فيه، وجعل يسبح الله سبحانه وتعالى، على ما يخلق وما يفعل، ولما تأكَّد من سعادة ذاك الغلام وحسن استقباله، وثبت عنده أنه هو الأسد الذي رآه سيده في حلمه، التفت إلى الأمير إبراهيم وقال له: {أوصيك أيها الأمير الكريم، على مسمع من جميع رجال قومك، بالاعتناء بهذا الغلام وبتربيته تربية جيدة، وتهذيبه وتعليمه كل العلوم، لأنه هو نفسه صاحب السيف والقلم والذكر الحميد، الذي يشتهر بين العرب والعجم، وإني ما أتيت هذه البلاد إلا لأجل رؤيته والبحث عنه، ليكون على اسم الدولة الكسروية، فكل ما أتيتُ به من الملك الأكبر هو على اسمه، ولأجل نفقته}. فقال الأمير إبراهيم: {هذا ولدي وأنا ملتزم بالاعتناء به، ولأنك أخبرتني بمستقبل حياته بما أُعْطيت من الحكمة والعلم، فسمه بالاسم الذي تريده}. فقال الوزير: {اسمه حمزة}.

إلى الحلقة الثانية

عمر {العيَّار}

قال الراوي:  {كان {بزرجمهر} يعرف أن ذاك اليوم يوم سعيد، وأن كل مولود يولد به يكون سعيداً، فأمر أن يؤتى بكل ذكر ولد في ذاك اليوم، في تلك المدينة إلى الديوان، وبالتدبيرات الإلهية، كان ولِد في اليوم نفسه ثمانمئة غلام ذكر، فجيء بهم جميعاً، بين يدي الوزير، فجعل يسمى كل واحد باسم، ويدفع لأبيه الأموال ليربّيه على نفقة الملك كسرى، ويكتب اسمه عنده، حتى فرغ من الجميع.

وبالمصادفة، كان أحد عبيد الأمير إبراهيم، تزوَّج جارية سوداء، وكانت في هذا اليوم لا تزال في الشهر السابع من الحمل، فلما رأى أن الوزير يدفع الأموال إلى آباء المولودين، لأجل تربيتهم على نفقة الملك {كسرى}، ومنذ ذلك اليوم، لعب به الطمع وأخذه الحسد، فركض إلى زوجته وقال لها إن الوزير يدفع الأموال إلى آباء الأولاد الذين يولدون اليوم.

قال الراوي: {طلب الرجل من زوجته أن تلد قبل موعد ولادتها، عساها أن تأتي بولد ذكر، يدر عليهما بالخير العظيم، فقالت له ليس الآن وقت ولادتي وكيف يمكن أن ألد اليوم، والله لم يسمح بعد، فحنق عليها وأخذ خشباً من الباب وضربها به على ظهرها وهي تصيح وتصرخ، وظل يعذبها حتى سقط الولد، وإذا هو ذكر أسود، فأسرع في الحال وقطع سرته ولفه بخرقة عتيقة وأسرع إلى الوزير {بزرجمهر}.

وكان أحد جيرانه سبقه وأخبر الأمير إبراهيم بما وقع بينه وبين زوجته وكيف أنه تركها مغمى عليها ملوثة بالدماء معذبة بالأوجاع، فلما وصل، أمر الأمير إبراهيم أن يؤخذ الغلام منه ويضرب الضرب الوجيع، وقال له: {ألا تخاف الله وتتقي جانبه، كيف تفعل هذه الأفعال}. فأمر الوزير أن يقدم إليه الولد فقدم ونظر في وجهه متمعناً، وفي الحال أمر أن يطلق العبد وقال للأمير: {إنها إرادة الله سبحانه وتعالى، ليكتب هذا الغلام من رفاق ابنك حمزة ويكون له ساعداً عند الضيق، فخذه وربه مع ابنك، فهو عصا ابنك يتوكأ عليها في حياته ويحتاج إليها في أوقاته كافة}.

 وكان وجه الغلام صغيراً مستديراً وعيناه صغيرتين جداً، كأنها الثقوب ويداه ورجلاه صغيرة دقيقة أشبه بالخيطان، لأنه لم يكن كامل البنية، فأجاب الأمير طلب الوزير ودفع الغلام إلى الرضاعة، ليكون على الدوام مع ولده وقد سماه عمر وهو عمر عيار الأمير حمزة، كما سيأتي ذكره.

back to top