منذ مدة طويلة شيئاً ما، تابعني شخص في "تويتر" وأخذ يرسل بإلحاح طالبا التواصل معي لأمر عاجل، فأعطيته بريدي الإلكتروني، ليرسل بعد ذلك رسالة طويلة يشتكي فيها من أن شخصاً من "المعروفين" قد ظلمه ظلماً بالغاً، ولظنه بأني أعرف ذلك الشخص، بعدما رآني أكلمه مرة أو مرتين عبر "تويتر"، طلب مني التدخل لمساعدته. لكن انتهى الأمر تماما عندما اعتذرت منه لأن معرفتي بذلك الشخص لم تكن على قدر يؤهلني للتوسط في أمر كهذا، وأيضا لأني لم أكن واثقاً، بطبيعة الحال، من صحة كلامه ولم أرد أن أوقع نفسي في دائرة الحرج.
دارت عجلة الأيام ومر زمن ليس بقصير، ونسيت الحكاية أو كدت، حتى بلغني منذ أيام أن ذلك الشخص المعروف قد أصيب بمرض بالغ الخطورة وأنه يخضع للعلاج ويسأل الناس الدعاء، فعادت الحكاية وصاحبها إلى واجهة ذاكرتي من جديد، لكنني أقر بأني لا أزال غير متأكد حتى الساعة من حكاية ذلك الرجل، ولست واثقاً من أن هذا الشخص قد ظلمه فعلا، لكن مجرد التفكير في احتمالية صحة الأمر وما آلت إليه حالته، قد أفزعني وأقض مضجعي.يردد الناس كثيراً أن الظلم ظلمات يوم القيامة، لكننا نرى الكثير منهم اليوم لا يتوانون عن إيقاع الظلم على من هم حولهم، وبالأخص أولئك الذين هم دونهم.نرى أرباب الأعمال يوقعونه على من يعملون عندهم، والمسؤولون في الوظائف يوقعوه على من يعملون تحت إمرتهم، وأصحاب الإقامات يوقعونه على من هم في كفالتهم، وربات المنازل يوقعنه على الشغالات، وغيرهم كثير، كل من زاويته وعلى طريقته، وغالبا دون إدراك أو شعور بأنهم يمارسون هذه الكبيرة في حق هؤلاء. وللظلم أشكال عديدة ومتنوعة، أوضحها ذلك النوع الصاخب المصحوب بالعنف والقسوة، كأن يتعرض المظلوم للضرب والإهانة واستلاب الحق المالي والطرد وما أشبه، وأخفاها ذلك المستتر خلف ستار التجاهل والاحتقار وغمط الحقوق، كأن يتهرب رب العمل من صرف أجرة المظلوم أو يماطله ويؤخره لأشهر عديدة أو أن يحمله ما لا يطيق من أعمال ثقيلة وتكاليف شاقة.كلما أحسست بضيق في نفسي اعتراني الفزع أن يكون ذلك لنقمة الله علي لظلم أوقعته على أحد من خلقه، سواء بوعي أو دون وعي مني، فأعود كاللديغ أقتفي آثاري محاولاً التصحيح والإصلاح بقدر ما أستطيع لما بيني وبين الله أولاً وما بيني وبين خلقه ثانياً، سائلاً الله العفو والمغفرة.تلك العبارة الشائعة التي تقول: إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، تدل على أن الإنسان يميل إلى سوء طباعه البشرية أن يمارس الطغيان كلما علا في الأرض، ولهذا فمثلما أن المكافأة الدنيوية والأخروية تكبر، كلما اعتلى الإنسان منصباً أعلى وصار راعياً مسؤولا عن عباد الله متحكما في مصايرهم، فإن عقابه عند الإساءة يكون أكبر وأعظم.لذلك فإن الراعي الجالس في موقع المسؤولية الكبرى والذي يضيع أمانته، إما من خلال إيقاع الظلم المباشر على الرعية أو من خلال تجاهل حقوقهم أو القعود عن إدارة شؤونهم، واقع على درجة من درجات الظلم بلا شك، وواقع لذلك حتما في دائرة عقاب الله، لأن الله سبحانه هو العدل، "وما ربك بظلام للعبيد"، فإن شاء عجل له العذاب وإن شاء أخَّره.أسأل الله عز وجل أن يقينا شرور أنفسنا وألا يجعلنا من الظالمين ولا ممن يناصرونهم.
مقالات
إذا دعتك قدرتك!
10-12-2013