يعاني الشعب السوري المجاعة. أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 800 ألف مدني سوري يواجهون الحصار في الوقت الراهن. ففي المناطق المحيطة بمدن حمص وحلب ودير الزور وأجزاء من العاصمة دمشق، لا يمكن إدخال الإمدادات الغذائية والطبية والمساعدات الإنسانية، بينما يُمنع الناس من الخروج. نتيجة لذلك، لقي كثيرون حتفهم بسبب «حصار المجاعة» هذا، بينما يشارف مئات الآلاف الآخرون على الموت ويعيشون على العشب والنباتات البرية. أما في دمشق فقد أصدر المشايخ في ظل ظروف مماثلة فتاوى تبيح تناول حيوانات من المحرم أكلها عادة، مثل القطط والكلاب والحمير.
لا تجتاح المجاعة سورية. فالطعام متوافر على بعد كيلومترات قليلة من المناطق المحاصرة. ولكن تمنع القوات المسلحة، وخصوصا جيش بشار الأسد، فضلاً عن الميليشيات المتطرفة المناهضة له في بعض المناطق، إيصال الطعام والأدوية إلى المدنيين المحاصرين. وبالإضافة إلى المجاعة، يعاني كثيرون في المناطق المحاصرة المرض، مثل الشلل. لكنهم عاجزون عن نيل العلاج الطبي، لأن الأطباء يُمنعون من دخول مناطقهم.لاشك في أن هذه الفظائع الأخلاقية تتطلب تدخل المجتمع الدولي. فمن الضروري اتخاذ تدابير مشددة ضد أي مجموعة مسلحة تعرقل إدخال المساعدات الإنسانية، سواء كانت من قوات النظام السوري أو من ميليشيات الثوار.ندد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بإخفاق المجتمع المدني في منع المجاعة، معتبراً ذلك «مشيناً تماماً»، وهو يُطالب اليوم «بخطوات أكثر حزماً».لاشك في أن الأخبار عن أن فرنسا قد تقترح قراراً شديد اللهجة في مجلس الأمن مرحب بها. إلا أن فابيوس لم يوضح ما إذا كانت هذه الخطوة ستُدرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يتيح لمجلس الأمن تطبيق محتوى القرار، من خلال عمل عسكري. لكن إذا لم يُدرَج القرار تحت هذا الفصل، فلا طائل منه.تُشكل الاعتداءات الأخيرة على مواكب تحاول إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة حمص المحاصرة خير مثال: لا يمكن ترك مسألة رفع الحصار بين أيدي الفصائل المتحاربة على الأرض. فلابد من الاستعانة بقوة دولية خارجية توفر ممرات آمنة تتيح إيصال المواد الغذائية والطبية للمدنيين السوريين الجياع.ولكن يبقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعضلة الأكبر. فقد استخدمت حكومته حق النقض ضد ثلاثة قرارات بشأن سورية في مجلس الأمن منذ أكتوبر 2011. كذلك أعلنت روسيا أنها لن تدعم أي تدابير تتعلق بالمسائل الإنسانية، إلا إذا قبلت بها سورية. ولكن يجب ألا نسمح لحسابات بوتين الجيو-استراتيجية ورفض الأسد العنيد، الذي يؤدي إلى إراقة الدماء، بعرقلة إيصال الطعام إلى آلاف المدنيين السوريين.إذا أعاقت روسيا أي تدابير دولية أساسية، وإذا رفض نظام الأسد أو مجموعات الثوار السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، يجب كسر هذا الحصار بأي وسيلة ضرورية.علينا اللجوء إلى «مسؤولية الحماية»، وهو مبدأ ينص على أنه إذا أخفقت دولة في حماية شعبها من فظائع جماعية (أو إذا كانت المسؤولة عن جرائم مماثلة)، يجب أن يتدخل المجتمع الدولي لحماية المدنيين، مستخدماً بشكل جماعي القوة التي يسمح بها مجلس الأمن. أما إذا تعذر تشكيل قوة متعددة الجنسيات، فمن الضروري في هذه الحالة أن تتحرك بعض الدول على الأقل وتنظم المجموعات الثورية الموالية للديمقراطية في سورية بهدف توفير القوة الضرورية على الأرض، بتأمين الأمم المشاركة غطاءً جوياً لها.شهدنا في الماضي حالات مماثلة يحتذى بها. فقد سُمح للقوات المتعددة الجنسيات، التي قادتها الولايات المتحدة ووافقت عليها الأمم المتحدة في الصومال بين ديسمبر 1992 ومايو 1993، باستخدام «كل التدابير الضرورية» لضمان إيصال المساعدات الإنسانية. وإذا تأملنا اليوم في هذه العملية التي كدنا ننساها، نلاحظ أنها حققت نجاحاً كبيراً من الناحية الإنسانية. صحيح ان الاهتمام العام تمحور حول معركة «سقوط الصقر الأسود» (Black Hawk Down) في أكتوبر عام 1993، معركة شكلت إخفاقاً عسكرياً، إلا أن هذه العملية نجحت في تحقيق هدفها الإنساني: إيصال الطعام إلى الصوماليين الجياع.ولكن قبل البدء بعملية مماثلة، ينبغي إعلام الأسد ومجموعات الثوار أن أمامهم 48 ساعة لرفع الحصار. وثمة أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد بأن مجرد التهديد باللجوء إلى القوة قد يؤدي إلى نتائج إيجابية.Danny Postel و Nader Hashemi
مقالات
ضرورة استخدام القوة لإنقاذ السوريين الجياع
16-02-2014