ذوو الرؤوس الحليقـة والخوف من عودة النازية
النقص في قول الحقائق هو الذي أدى إلى تنامي التنظيمات الأوروبية (العنصرية) المتطرفة المعادية لشعوب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وبخاصة العرب مثل الجبهة القومية في فرنسا، وحزب الاستقلال في بريطانيا، وحزب "سيريزا" اليوناني، والحزب النازي الجديد في ألمانيا، وحزب فيلدرز في هولندا، التي أحرزت فوزاً في الانتخابات الأخيرة وصل إلى مئة وأربعين مقعداً في برلمان الاتحاد الأوروبي، مما جعل الأحزاب الحاكمة والمعارضة أيضاً تتلمـس رؤوسها، و"تدبُّ" الصوت عالياً، وتعلن حالة الاستنفار القصوى، ولكن بدون أن تعرف ماذا تفعل وكيف من الممكن أن تتصرف.لقد عرفت بريطانيا ظاهرة حليقي شعر الرؤوس الذين كانوا يحملون اسم :"الجبهة القومية" في وقت مبكر من سنوات النصف الثاني من القرن الماضي، وكان هؤلاء يتقصدون استهداف الهنود والباكستانيين والأفارقة السود الذين جاءوا إلى بريطانيا مبكراً وأصبحوا بريطانيين مثلهم مثل السكان الأصليين، كما كانوا ومازالوا يستهدفون العرب مع أن هؤلاء معروفون بـ"تبذير" أموالهم، ومع أن الجالية العربية معروفة بأنها بغالبيتها من الطبقة الوسطى، وأن أبناءها لا يزاحمون البريطانيين على ما يسمى: "العمالة الرخيصة" التي يحتلها الآن احتلالاً كاملاً الذين قدموا من أوروبا الشرقية بعد انضمام بلدانهم إلى الاتحاد الأوروبي، وأصبح يحق لهم ما يحق للمواطنين البريطانيين، وعلى قدم المساواة.
والمشكلة أن هذه الأحزاب العنصرية المتطرفة تعادي الأفارقة والآسيويين والعرب بالتحديد، وهي ربما لا تعرف أنَّ استعمار بلدانهم لدول هؤلاء سنواتٍ طويلة هو سبب نزوحهم والإتيان إلى العديد من الدول الأوروبية، وأن المستعمرين الأوروبيين كانوا يصدِّرونهم إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا عطفاً عليهم ولا من قبيل إعطائهم حقوقاً باتوا يستحقونها، بل لأنهم يشكلون عمالة رخيصة، ولاستيعابهم في الأعمال التي تعتبر دونية ويرفضها المواطنون "الأصلاء". ربما كان المراهقون من ذوي الرؤوس الحليقة الذين انضموا سابقاً ولاحقاً إلى الجبهة القومية العنصرية (الفرنسية) والذين يستهدفون بعنفهم الأهوج ذوي الأصول الجزائرية لا يعرفون أن بلدهم استعمر الجزائر مئة واثنين وثلاثين عاماً وأنه ضمها إلى فرنسا، لكن المؤكد أنَّ جان ماري لوبان مؤسس هذه الجبهة المتطرفة وأنَّ ابنته ماري لوبان التي ورثت هذا التنظيم العنصري عن أبيها يعرفان هذه الحقائق، ويعرفان أيضاً أن الاستعمار الفرنسي لتونس والمغرب وموريتانيا هو المسؤول عن وجود جالية مغاربية كبيرة على الأراضي الفرنسية.كان يجب، تحاشياً لبروز ظاهرة حليقي الرؤوس في بريطانيا وعلى هذا النحو الخطير جداً، أن تتضمن المناهج المدرسية منذ بدايات القرن العشرين على الأقل وبخاصة مناهج المراحل الابتدائية والمتوسطة تعريفاً بأسباب مجيء هؤلاء الملونين "الغرباء" إلى هذه الجزيرة البريطانية التي تغرق بالضباب معظم شهور السنة، وكان يجب أن تركز الدراما في هذا البلد، الذي لا يمكن إنكار طيبة أهله بغالبيتهم وأيضاً ولا يمكن إنكار تسامحهم بمعظمهم، على أن هؤلاء "الغرباء" قد أصبحوا بريطانيين وهم في بلدانهم عندما كانت بريطانيا إمبراطورية مترامية الأطراف لا تغيب عن أملاكها الشمس.وحقيقة أن هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تجتاح أوروبا كلها حتى اليونان، التي لا يحق لبعض مواطنيها أن "يتعنصروا" على هذا النحو لأن لهم بقايا لاتزال في مصر ولبنان وسورية وفلسطين والأردن، يجب أن تذكر الأوروبيين كلهم بأن "النازية" و"الفاشية" قد ظهرتا انطلاقاً من احتقار ومعاداة كل الشعوب والأمم الأخرى غير الأوروبية. وهنا فإن على من يريد المزيد في هذا الشأن مراجعة كتاب "كفاحي" لصاحبه أدولف هتلر!