يهتم دبلوماسيو السفارة الأميركية في بيروت، من خلال لقاءاتهم واجتماعاتهم وزياراتهم وجولاتهم على القادة السياسيين الرسميين والحزبيين في لبنان، بمعرفة ما يملكون من معلومات بشأن طبيعة الموقف السعودي من السياسة الأميركية في المنطقة، بعد التفاهم الأميركي– الروسي حول ملف الأسلحة الكيماوية السورية وبعد ملامح التقارب الأميركي– الإيراني بشأن الملف النووي الإيراني.

Ad

ويركز الدبلوماسيون على محاولة استكشاف ما يمكن أن يصل إليه الموقف السعودي المتحفظ علناً بشأن السياسة الأميركية، ويسألون عما يمكن أن تكون عليه ترجمة الموقف السعودي على الساحتين اللبنانية والسورية، في موازاة الانعكاسات على العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

وبحسب مصدر بارز في السفارة الأميركية في بيروت فإن السفير ديفيد هايل ومعاونيه لم يتمكنوا من تكوين صورة واضحة عن الموقف السعودي لاعتبارات لايزالون يحاولون التعرف عليها، لا سيما لناحية التثبت مما إذا كان ذلك ناجماً عن غياب استراتيجية سعودية عملية للتعاطي مع الوضع في لبنان وسورية، أو عن عدم إدراج المملكة الفرقاء اللبنانيين في قائمة العناصر المكونة لهذه الاستراتيجية في حال وجدت.

في المقابل، فإن قيادات سياسية وحزبية لبنانية أساسية التقت السفير الأميركي وكبار دبلوماسيي السفارة خلال الأسبوعين الماضيين تؤكد أن واشنطن تتعاطى مع هذا الملف من زاوية الطمأنة بأن مشروع التفاهم الأميركي – الإيراني لايزال «جنيناً» قيد التشكل، وأنه لا شيء يستدعي من حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين في الشرق الأوسط ردود فعل تعبر عن الخشية والخوف من انقلاب أميركي على الحلفاء الطبيعيين والتاريخيين لمصلحة علاقات مستجدة مع إيران.

ويلاحظ السياسيون اللبنانيون أن الدبلوماسيين الأميركيين يَبدون في موقف الدفاع عن إدارتهم أكثر مما يبدون في موقع الساعين إلى الترويج لسياستها الجديدة على نحو يعكس شيئاً من الارتباك في التعاطي مع الموقف المعترض الذي سجلته المملكة العربية السعودية على الأداء الأميركي بالنسبة الى الملفين السوري والإيراني.

ويتجلى الارتباك الأميركي في الحرص على التأكيد، للجهات السياسية الرسمية والحزبية اللبنانية، أن أي تفاهم يمكن أن يتم التوصل اليه مع إيران بشأن برنامجها النووي لا يمكن أن يتم على حساب حلفاء الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط. وتحديداً فإن واشنطن لن تكون في أي وقت من الأوقات مستعدة لمقايضة البرنامج النووي الإيراني بالاعتراف لإيران بنفوذ سياسي واقتصادي، وربما عسكري في دول الخليج، وصولاً إلى العراق وسورية والأردن ولبنان.

ويشدد الدبلوماسيون الأميركيون في بيروت على أن أي حل يمكن التوصل إليه بين إيران والمجتمع الدولي في شأن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يكون على حساب الشرعية اللبنانية ومنطق الدولة في لبنان، وبالتالي فإن سلاح «حزب الله» ودوره العسكري والأمني في سورية والبحرين والسعودية واليمن وغيرها من دول الخليج والشرق الأوسط لا يمكن أن يكون البديل العسكري التقليدي الذي يسمح لإيران بممارسة نفوذها وضغوطها على دول المنطقة عند تخليها المفترض عن برنامجها النووي.

لكن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لم تنجح بعد في استعادة ثقة حلفائها التقليديين في المنطقة الذين يعتبرون أن واشنطن ترتكب مرة جديدة ما سبق أن ارتكبته في حقهم مرات عدة في السابق من السير بسياسات لا تأخذ في الاعتبار سوى مصالحها، ولو جاء ذلك على حساب مصالحهم. ولذلك فإن المملكة العربية السعودية، ومعها مصر ودول الخليج العربي، لن تجاري واشنطن هذه المرة من دون حساب، وهي بصدد رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة والغرب بأن مصالحها تتقدم على مصالح واشنطن، وبأن المطلوب لاستمرار التحالف تبادل تفهم المصالح لا التفرد بحفظ ما تراه واشنطن مناسباً لها بمعزل عن رأي شركائها.