جهل أم ضرورة درامية... أخطاء «سرايا عابدين» و{صديق العمر»
إلى أي حد يحق للكاتب التدخل في أحداث تاريخية، وهل مسموح له تعديل أو تغيير حدث تاريخي بحجة أن الدراما تتطلب ذلك؟ سؤال يتبادر إلى الذهن مع عرض عملين تاريخيين على شاشة رمضان: {سرايا عابدين} و{صديق العمر}، وتضمنهما أخطاء تاريخية وصفها البعض بالساذجة.
لطالما طالبنا بأعمال تاريخية توثق لتاريخ مصر، تكون مرجعاً للأجيال الجديدة ولمن لم يعاصر الحدث، ومع الإعلان عن عملين تاريخيين في رمضان الحالي عُقدت الآمال بمشاهدة دراما تاريخية جديدة مع الإنتاج الضخم الذي أُعلن عنه، ولكن مع مشاهدة الحلقات الأولى من العملين فوجئنا بأخطاء تاريخية لا يمكن قبولها، مع أنه يفترض الحرص على المراجعة التاريخية وليس صنع تاريخ لا علاقة له بالتاريخ الذي نعرفه.
سرايا عابدين«سرايا عابدين» الذي يشارك في بطولته كل من يسرا، نيللي كريم، غادة عادل ومجموعة من النجوم، تصدر الأعمال الدرامية الأكثر مشاهدة عربياً، بحسب إحصاءات محرك البحث الشهير على «غوغل» وموقع «يوتيوب»، رغم الانتقادات التي وجهتها مواقع التواصل بسبب الأخطاء التاريخية التي تضمنتها الأحداث، واقتباس تفاصيل من المسلسل التركي «حريم السلطان» والفيلم الأميركي الشهير «ماري أنطوانيت».المسلسل الذي يرصد الإيقاع الملكي الصارم للحياة داخل القصر... وقع في أخطاء أساسية أولها أن «سرايا عابدين» لم تكن موجودة من الأساس في هذا التوقيت، فقد بُنيت عام 1872، بينما بدأت الأحداث بالاحتفال بعيد ميلاد الخديوي إسماعيل الـ 35 داخل السرايا، وإذا كان إسماعيل باشا قد ولد عام 1830، فإن عيد ميلاده الـ36 كان عام 1865، أي قبل بناء السرايا أصلا، وكان مقر الحكم في تلك الفترة، قلعة صلاح الدين الأيوبي التي ارتكب فيها محمد علي باشا مذبحة القلعة للتخلص من المماليك.وفي العام نفسه لم يكن إسماعيل قد حصل على لقب الخديوي وكان لقبه «والي»، فيما نال لقب «خديوي» عام 1867. كذلك تضمن العمل أخطاء في استخدام الألقاب، إذ كان ينادى بـ «عظمة الخديوي» أو «جناب الخديوي» وليس «جلالة الخديوي» لأن لقب «جلالة» مرتبط بالمملكة المصرية وظهر بعد 1922.وفي الحلقة الثانية عزف «فالس الدانوب الأزرق» الذي خرج إلى النور عام 1867، بالتالي غير مناسب تاريخياً مع عيد ميلاد الخديوي، أما القاعة التي حملت اسم محمد علي في «سرايا عابدين»، فظل اسمها «الصالون الأكبر» حتى عهد الملك فؤاد الأول، ولم تحمل اسم محمد علي... وأخطاء أخرى كثيرة.لكن أسرة المسلسل بررت تلك الأخطاء التاريخية بأن العمل لا يرصد تواريخ محددة، إنما دراما مستوحاة من قصص حقيقية، وهي العبارة التي تسبق شارة المسلسل، مؤكدة أنها وظفت التاريخ بما يتوافق مع طبيعة الأحداث الدرامية.أين الحقيقة؟طاولت الأخطاء التاريخية مسلسل «صديق العمر» الذي يرصد العلاقة الوطيدة التي جمعت الزعيم جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، وقد ذكر ضمن الأحداث أن اتفاقية جدة كانت عام 1956، بينما الحقيقة أنها كانت عام 1965، كذلك أشير إلى أن الرصاصة الأولى في ثورة 1952 التي طاولت سمعة الثورة، كانت خطأ يوسف صديق ولم تخرج من سلاح المشير، وفقاً لما جاء في الأحداث، وهي أخطاء اعترف بها كاتب السيناريو محمد ناير، الذي اعترف بترتيب خاطئ في أحداث أخرى ظهرت أنها دارت خلال عام 1967، فيما حدثت في الحقيقة عام 1961، مؤكداً أن هذه الأخطاء سيتم تداركها في المونتاج كي لا يواجه المسلسل انتقادات في حال أعيد عرضه.مؤلفة «سرايا عابدين» هبة مشاري حمادة صرحت في أحد المؤتمرات بأنها لم تهتم بتوثيق معظم معلومات العمل، لأن الأهم بالنسبة إليها الدراما وما في كواليس القصر، وعلاقة الخديوي بزوجاته وبجواريه (رغم أن معظم الأحداث، تحديداً كواليس القصر مقتبسة من أفلام أجنبية)، بالتأكيد التاريخ لم يذكر هذه العلاقات، ثم توثيق التاريخ يكون من خلال أفلام وثائقية وليس الدراما.اللافت أن أبناء جمال عبد الناصر، على رأسهم عبد الحكيم، أعلنوا في أكثر من برنامج وفي لقاءات صحافية أن العمل لا يمت إلى الواقع بصلة، وأن ثمة تحريفاً متعمداً في تاريخ عبدالناصر والحقبة الزمنية كلها.إبهار وسذاجة يؤكد الناقد طارق الشناوي أن {سرايا عابدين} و{صديق العمر} يتضمنان أخطاء تاريخية ساذجة، ما يدلّ على عدم الاهتمام بالتدقيق في المعلومات التاريخية المقدمة للجمهور، بل الاعتماد على الإبهار من خلال الديكور والصورة والدراما التي تجذب المشاهد.يضيف أن الأسماء التي ظهرت في الشارة تحت عنوان مراجعة تاريخية مجرد ديكور، وأننا في مجتمعنا نتبادل الجهل في ما بيننا. يتابع أن صناع الدراما غير مثقفين تاريخياً، وليست لديهم أي معلومات تاريخية، ويعتمدون على الجمهور الذي لا يعرف تاريخه، وبالتالي لن يكتشف أي خطأ، «هكذا نتطاول على تاريخنا الكبير من دون أي اهتمام».يوضح أن حدود الكاتب تكون في الدراما التي تحدث بين الشخصيات ولا علاقة له بالأحداث التاريخية، قد يتغاضى عن حدث أو يظهر آخر، لكن لا يغير في الأحداث لأنها موثقة في التاريخ، إنه الخطأ الذي وقع فيه معظم من قدموا أعمالاً تاريخية، فتدخلوا في الأحداث بحجة الدراما.جهد ودقةيرى المخرج محمد فاضل أن تقديم أعمال تاريخية يتطلب مزيداً من الجهد والدقة في تناول الأحداث التاريخية، «لأننا نقدم تاريخ وطن محفوظاً في ذاكرة الجميع، وأي تغيير أو تحريف سيؤدي إلى فشل العمل، من دون النظر إلى مستوى العمل الفني.يضيف أن مع «ناصر 56» قدم التاريخ كما هو من دون تحريف أو تعديل، وكل ما قام به هو الدراما من خلال شخصيات درامية غير مؤثرة تاريخياً مثل شخصيتي أمينة رزق وحسن حسني.يتابع أن المخرج من حقه أن يختار من التاريخ ما يوافق وجهة نظره التي يرغب في تقديمها للجمهور، ويتغاضى عن أحداث ويلقي الضوء على أخرى، لكن ليس من حقه تزييف أو تغيير التاريخ بحجة أنه لا يوثق أو يقدم عملا تاريخياً، وإلا كان عليه أن يقدم عملا اجتماعيا من البداية.ويؤكد أن أحداث «سرايا عابدين» لا علاقة لها بالخديوي إسماعيل، وكان من الأفضل أن يكون اسمه «غراميات خديوي»، مشيراً إلى أنه بالرجوع إلى التاريخ أو بالمقارنة بين «سرايا عابدين» وبين مسلسل «بوابة الحلواني» الذي تناول الفترة الزمنية نفسها والشخصيات ذاتها، سنجد كماً كبيراً من الأخطاء والمغالطات. أما «صديق العمر» فيحاول، برأيه، تشويه جمال عبد الناصر والثأر لـ عبد الحكيم عامر من دون مبرر، «ثمة أخطاء كثيرة من بينها أن سامي شرف، وهو برتبة رائد ويعمل مديراً لمكتب عبدالناصر، ينادي عبد الحكيم، وزير الدفاع ونائب رئيس الجمهورية، باسمه مجرداً، وهذا غير منطقي وأيضاً شخصيات العمل كافة تنادي جمال مجرداً من أي لقب حتى من هم أقل منه سنا ورتبة ونسوا أنه رئيس الجمهورية».مهزلة وتشويهيؤكد الدكتور محمود متولي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة بورسعيد وعضو الجمعية التاريخية، أن الأحداث في «سرايا عابدين» و{صديق العمر» مهزلة بالمقاييس كافة لأنها تشكِّل تشويهاً متعمداً لتاريخنا.يضيف: «كيف لكاتبة كويتية أن تكتب عملا يوثق لتاريخ مصر وهي غير متابعة له، من المغالطات أن الخديوي إسماعيل كان متزوجاً من ثلاث سيدات وليس أربع كما جاء في العمل، ثم ذكر العمل قولا منسوباً إلى «الخديوي سعيد» مفاده: «إن حكم شعب جاهل أسهل بكثير من حكم شعب متعلم»، وفي الحقيقة قائل هذه العبارة هو عباس حلمي الأول الذي خفض عدد المدارس»، لافتاً إلى أن العمل ركز على علاقة الخديوي بالحريم وغرامياته من دون الاهتمام بما قدم لمصر، وأغفل أيضاً الحياة السياسية آنذاك في تقليد سيئ لـ«حريم السلطان».يتابع: «أما «صديق العمر» فيحتوي على أحداث ملفقة ومغالطات تاريخية، وبدأ العمل كأنه محاولة للدفاع عن عبد الحكيم عامر على حساب جمال عبد الناصر، ووقع في خطأ تاريخي حينما أظهر أن الصداقة بين ناصر وعامر بدأت منذ الصغر، وهذا مخالف للحقيقة، إذ لم يلتق الاثنان إلا في الكلية الحربية، فقد كان عامر أصغر من ناصر الذي تخرج في الكلية الحربية 1939».يوضح أن ناصر من الصعيد من بني مر، محافظة أسيوط، ولم يعش فيها إذ تربى في محافظات عدة نتيجة لعمل والده في البريد، بينما عامر كان من طبقة الأغنياء من قرية أسطال، مركز سمالوط محافظة المنيا، ولم يتقابلا إلا في معسكر منقبات 1940، ثم بدأ التفكير في بناء صداقة بينهما، عندما كانا في السودان حيث خدم الاثنان معاً، ثم انطلقت الصداقة في حرب فلسطين. كذلك يلاحظ أن المسلسل أدعى بأن السراج الذي كان يثق فيه ناصر ثقة عمياء، أحد أسباب فشل الوحدة مع السوريين، وأن عبد الحكيم حاول إنجاحها، «فيما في الحقيقة أن الوحدة فشلت بسبب قرارات صدرت ولم يرض عنها السوريون، ورأى بعض الدول العربية، من خلفها إسرائيل وأميركا أن هذه الوحدة ضد مصلحتها، فضلا عن طمع روسيا في سورية، كل هذه الدول عملت على إثارة السوريين ضد هذه الوحدة، في ظل رفض الأحزاب السورية للوحدة.