سياسات ما بعد المالكي: وقف حرب الأنبار والتطبيع مع السعودية
الجلبي يقود التقارب بين الصدر والحكيم... وبوادر تفاهم على تشكيلة الحكومة الائتلافية
اختار العلماني الشيعي أحمد الجلبي أن يختم حملته الانتخابية بجملة تداولتها وسائل الإعلام المحلية في العراق على نحو واسع، واعتبرتها الصالونات السياسية بمنزلة برنامج التغيير السياسي المدعوم من عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، ومقتدى الصدر صاحب التيار الواسع، ومرجعية النجف التي رفعت بقوة شعار التغيير، في إشارة واضحة الى ضرورة نقل السلطة من الفريق السياسي والعسكري الذي يترأسه نوري المالكي.الجلبي يجري منذ شهور اتصالات مكثفة في الداخل والخارج، مع معتدلي السنة، والأحزاب الكردية، وهو سعيد بنجاحه في المساهمة بالتقريب بين أقوى خصمين شيعيين للمالكي: الصدر والحكيم، محاولا اقناع إيران بأن رئيس الوزراء الحالي، أصبح "عبئاً على طهران" بسياساته التي فككت التحالفات التقليدية داخليا والتي كانت تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الممكن تطويره.
واختار الجلبي للتعبير عن النهج الإصلاحي الجديد جملة تقول: "إن مرحلة ما بعد المالكي ستشهد وقفا للحرب الدائرة في الأنبار، وتطبيعا عاجلا مع المحيط الإقليمي، ولاسيما السعودية، وتجاوز برود العلاقات الذي يؤثر على أكثر من ملف ساخن في العراق والمنطقة". ولعل عبارة الجلبي هذه، تعبر عن نحو سنتين من المراجعات الشيعية، التي شجعت النجف ومرجعيتها الدينية، على دخول مواجهة مع نوري المالكي رئيس الوزراء، والإصرار على أن نهج الحوار هو الطريق الأسلم الذي "حاد عنه" المالكي متجاهلا سيلا من النصائح بهذا الشأن، مما وضع العراق على حافة انهيار غير مسبوق منذ خروج القوات الأميركية في نهاية عام 2011.وسيطرت هذه الأجواء على وسائل الإعلام في آخر ليلة سبقت الاقتراع التشريعي الثالث، الذي نظم أمس الاربعاء، في العراق، حيث ركزت محطات التلفزة المحلية المعارضة لرئيس الحكومة، على فتوى صريحة لآية الله بشير النجفي، الذي يعد أحد المراجع الأربعة الرئيسيين في النجف، قال خلالها بوضوح إن التصويت للمالكي "حرام شرعا" ودعا الى انتخاب وجوه جديدة، وذهب أكثر من ذلك ليدعم كتلة "المواطن" الموالية لعمار الحكيم.الضربة الأقسى في الليلة الأخيرة من التراشق الإعلامي هذا، جاءت حين كشف صحافيون من وسائل إعلام عديدة، محاولة محطة تلفزيونية قريبة من المالكي، تزوير فتوى لآية الله السيستاني، تقول إن النجف لا تميل إلى كتلة الحكيم، ما اعتبره مراقبون مؤشراً واضحا على الضربة القوية التي تلقاها رئيس الحكومة، من مراكز القوى الدينية المؤثرة في الشارع الشيعي.وكان مزاج "التغيير" طاغيا كما يبدو على الأجواء في معظم المناطق، حتى إن البيانات المتاحة حتى ساعة اعداد هذا التقرير، تشير الى نسبة مشاركة أعلى في الاقتراع، مقارنة بالعزوف الشديد الذي شهدته انتخابات مجالس المحافظات قبل سنة، أو المقاطعة التي سجلت في مراكز المدن الكبرى عام 2010، ويفسر المعنيون هذا التطور، بأن شريحة واسعة من الناخبين، استعادت الإيمان بأهمية التصويت لتيارات تتبنى نهجا معتدلا، بهدف التقليل من احتمالات تطور حرب الأنبار الى احتراب أهلي، وهو ما جعل مصادر في الأحزاب الرئيسية تتحدث بنبرة واثقة، لا عن مجرد تحقيقها نتائج طيبة تتيح استبدال رئيس الحكومة الحالي، بل أيضا عن أجواء تفاهم أكثر من مبدئي، حول قواعد تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، بنحو لا يترك فراغا حكوميا يتيح بقاء حكومة تصريف الأعمال شهورا طويلة، على حد تعبير مصدر رفيع في المجلس الأعلى الإسلامي، كان يتحدث الى "الجريدة" ليلة الاقتراع.