الذي حدث
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
حين ولد فن السينما كان صامتاً. ثم نطق وتلوّن، يوم انتفع من تقدم العلم. ولكن مخرجاً كبيراً كالسويدي بيرغمان، والياباني كيراساوا، والإيطاليين فلليني وأنتونيوني... الخ، لم يتركوا منجزات العلم تحتل فن السينما، وتلغي سماته الجوهرية. جاء مخرجون آخرون فسمحوا بذلك. احتلت قدرات الكمبيوتر عناصر الفن السينمائي، وصار أحدنا يعجب ويدهش وهو يتأمل تلك القدرات (والعُجب والاندهاش عادة ما يُعتادا ويفقدا إغواءهما مع الأيام). لقد أوجدوا فناً جديداً، لا شأن له بفن السينما. ولهم الحق في أن يحتفوا بذلك، فنحن نحتاج دائماً إلى فن جديد. ولكن لا حق لهم في أن يعتبروا فنهم هذا البديل الضروري لفن السينما. حدث الأمر ذاته مع الفن التشكيلي، حين احتلّت تقنيات عصر الحداثة عالم اللوحة، الذي يعرفه الإنسان منذ نشأ. سطح يُنشئ عليه الإنسان رؤاه البصرية باللون والخط. «الفن المفاهيمي» عمل إبداعي جديد ومثير، ولكن لا شأن له بالفن التشكيلي. ولا يحق للفنان المفاهيمي أن يفرضه كفن بديل عن اللوحة التشكيلية. وكذلك فن «الفيديو»... وما الفنون المبتكرة الجديدة.لا أعتقد أن الحكاية تختلف في حقل الأدب. فنحن كتّاب الأدب أحرار في ابتكار فنون للكتابة غير محدودة. ولكنا لسنا أحراراً في فرض ما نبتكره، باسم العصر، باعتباره بديلاً وحيداً، لا يستطيع أن يورق إلا على قبر فن آخر سبقه. وهذا ما يحاول كتّاب «قصيدة النثر» فرضه عبثاً.حين ابتكر العرب فن «المقامة» لم يروها بديلاً عن القصيدة، ولا عن نثر الناثرين، بل هي فن مستقل بذاته. «قصيدة النثر» هي الأخرى فن قائم بذاته. إنها ضرب من الكتابة الخيالية لا تقوم مقام فن آخر. وهي بذلك لا تنتسب لفن الشعر ولا لفن النثر. والذين يرونها بديلاً لا خيار فيه يغفلون أنهم يحاكون، عن غير وعي، إنسان العقيدة الذي لا يستطيع أن يرى فكرته إلا باعتبارها البديل الصائب عن كل الأفكار الخاطئة. إنه لا يستطيع أن يتخيل خلاف ما يعتقد. ويغفلون أيضاً أنهم ينحنون لمؤثرات العصر الحديث التي أضعفت، ولعوامل قاهرة، حساسية الأذن الموسيقية.