عملهم... لا أقل ولا أكثر!
الاستجوابات التي تمت في جلسة مجلس الأمة الأخيرة لسمو الرئيس ووزرائه كانت تتمحور حول أمر واحد تقريبا وهو "الإنجاز الحكومي"!أسئلة كثيرة وجهها النواب الأفاضل إلى سمو الرئيس ووزرائه حول آخر مستشفى تم افتتاحه، وآخر مدينة إسكانية تم بناؤها، وعن الجامعة التي يسير تنفيذها بسرعة سلحفائية، واستاد جابر الذي صار معجزة القرن في بطء التنفيذ، وعن الطرق التي تئن من زحمة المركبات التي تطؤها ليل نهار، والمرضى الذين لا يجدون أسرّة تحتويهم، والطلبة الذين لا يجدون جامعات تقبلهم، وكذلك جاءت الأسئلة عن المشاريع الحكومية الخارجية التي تجد طريقها لكل من هو على خريطة العالم ما عدا الكويت، وعن الهبات المليارية من طراز "عين عذاري" التي تتحفنا بها الحكومة بين الفينة والأخرى، فقط... لزيادة الهم ورفع الضغط!
النائب الفاضل رياض العدساني وجه خلال استجوابه لسمو الرئيس مجلس الوزراء سؤالاً يبحث عن إجابة من زملائه النواب ومن أعضاء الحكومة ومنا جميعا، قال فيه: اذكروا لي "إنجازاً" واحداً لسمو الرئيس وحكومته، وأنا سوف أسحب استجوابي فوراً؟!بطبيعة الحال، الجواب لا يحتاج لكثير من الوقت أو الذكاء للإجابة عنه، فإن كان المقصود بالإنجاز هو بناء الجامعات والمستشفيات والمدارس والطرق، فهو كما هو معروف للجميع، يكاد يكون صفراً!لكن الواقع أن هناك خطأً في سؤال النائب رياض العدساني، فحتى لو بنت الحكومة المستشفيات والجامعات والطرق وانتهت منها في وقتها الصحيح، ففي هذه الحال لا تكون قد "أنجزت" شيئاً، بل تكون قد قامت بعملها كما ينبغي، لا أقل ولا أكثر، فكما هو واجب على أي موظف صغير أن يقوم بعمله على الوجه الصحيح، فعلى السادة الوزراء أن يقوموا بالمثل دون اعتبار مجرد قيامهم بمهام عملهم "إنجازاً" يفتخرون به! فالإنجاز يكون في الإبداع، أي أن تقوم بأمر لم يقم به من سبقك، وبالنسبة إلى الحكومات فإن الإنجاز يكون في عمل نقلة نوعية في شكل الدولة، كأن تتحول الدولة إلى مركز مالي واقتصادي، أو يصبح لها طابع سياحي، أو تتحول إلى دولة صناعية صادراتها تعادل وارداتها أو تزيد، أو على الأقل، يصبح لها أي مصدر آخر للدخل غير النفط الذي تعتاش عليه منذ أكثر من 60 عاما... قابلة للزيادة!إن إدارة الدول أيها السادة يشبه إلى حد بعيد إدارة الأندية الرياضية، فالإدارة الناجحة حين تتحدث عن "الإنجازات" في عهدها، لن تذكر قيامها بصبغ الجدران أو إصلاح السياج أو سقي النجيل أو تسليم اللاعبين ملابس للتدريب، لأنه من البدهي أن تقوم بذلك، فهو من صميم عملها، إنما ستقوم بذكر إنجازاتها في زيادة نقاط التفوق الناتجة عن تحقيقها للبطولات، وبشكل خاص، في ألعاب لم تفز بها من قبل في أي عهد سابق!ولو طبقنا هذا المثال على حكومتنا الحالية، وكذلك على الحكومات السابقة– من باب الإنصاف- على مدى أكثر من 30 سنة، فسنجد أن "النادي" الذي أدارته هذه الحكومات ملاعبه "محفرة" وأسواره مهترئة وجدرانه متشققة، وفرقه تحتل المراكز الأخيرة... دون منازع!لذلك، من الواجب مستقبلاً أن تكون الاستجوابات للسادة الوزراء عن "عملهم" الذي لم يقوموا به، لا عن "إنجازاتهم" التي تبعد عنهم كما تبعد "القسيمة الإسكانية" عن حلم أي شاب كويتي، قبل أن يمر على زواجه عشرين عاماً على الأقل!والقرآن الكريم يقول: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، فهل لدى هذه الحكومة أي نية للعمل؟! العمل فقط، دون أي إنجازات، فالإنجاز الوحيد الذي نريده هو أن يقوموا بعملهم، فقط لا غير!