هل يمكن للمرء أن يقترف خطيئةً ما في حق أحدهم، وأن يمضي في حياته بعدها وكأن شيئاً لم يكن؟ وبالأخص عندما لا يُكتشف أمره؟ هل يمكن أن يتغلب الواحد منّا في مثل هذا الموقف حقاً على تأنيب الضمير ومرارة الشعور بالوضاعة والرداءة، ويتعايش مع المسألة؟
روري جانسن كاتب مغمور لديه بعض الموهبة، لكنها لم تكن كافية لإقناع أي من الناشرين الذين طرق أبوابهم بتبني كتبه. استمر في الكتابة، واستمر الناشرون في الاعتذار إليه.في يوم من الأيام، بينما هو يضع أوراقه في حقيبته الجلدية القديمة التي كان قد اشتراها من محل لبيع الأنتيكات، يعثر على مخطوط كان مخبأً في أحد جيوبها الداخلية. يمضي روري نهاره في قراءة المخطوط ليكتشف أنه رواية مدهشة جداً. تظل أحداث الرواية تطارد أحلامه في نومه ويقظته أياماً عدة، فيقوم مدفوعاً برغبته في الامتزاج أكثر بكلماتها الساحرة وأحداثها المذهلة بطباعتها بالكامل.في الصباح التالي، تعثر زوجته على الرواية في كمبيوتره، وتظن أنه هو من كتبها فتشجعه على أن يذهب بها إلى الناشر لأنها العمل الأدبي الأروع في حياته على حد تعبيرها، وتحت وطأة سعادتها الغامرة ودموع فرحها لا يتمكن روري من إخبارها بالحقيقة، وينجرف عوضاً عن ذلك مع فكرة أن ينسب العمل إلى نفسه، ويقوم بأخذه فعلاً إلى أحد الناشرين. ولا مفاجأة هنا، حيث يوافق الناشر بلا تردد على نشر الرواية التي تنجح بشكل خارق وتصعد بروري إلى مصاف الكتاب الأشهر في بلده ليحصد الجوائز والمال والشهرة.يعيش روري قطعةً من الزمن متلذذاً بالنجاح الذي حصده إلى أن جاء يوم ظهر فيه رجل طاعن في السن ليواجهه بأنه هو كاتب الرواية الحقيقي. تنقلب حياة روري رأساً على عقب، فيتقلب فيها بين الخوف من الفضيحة وتأنيب الضمير لإقدامه على السرقة، إلى أن يقوم العجوز بطمأنته بأنه لن يقوم بفضحه، وحسبه أنه أراد أن يجعله يدرك أن تلك الرواية التي نشرها وكانت سبباً في شهرته وثرائه لم تكن ضرباً من الخيال، وإنما كانت خلاصة حياته وقصة معاناته الحقيقية، وأنه لم يستطع أن يكتب بعدها شيئاً وكأنه أودعها كل ما كان فيه من قدرة إبداعية ومن حياة.يموت العجوز بعدها بأسبوع ويموت معه السر، ليتخلص روري من مأزق الخوف من الفضيحة، ولكن ليسقط عميقاً في أتون تأنيب الضمير. هذا هو ملخص الفيلم "الكلمات- The Words"، الذي ينتهي على طريقة النهايات المفتوحة، تلك التي تترك المشاهد متسائلاً عما سيحصل لروري، هل تراه سيكمل حياته سعيداً مستقراً يتلذذ بفاكهة نجاحه المسروق، أم أنه سيظل يكابد مرارة تأنيب ضميره الذي سيفسد عليه هناءه؟!لكن هذا الفيلم "المختلق" يطرح أسئلة جوهرية "حقيقية" جداً، تتناول أسئلةً نكاد نواجهها يومياً. هل يمكن للمرء أن يقترف خطيئة ما في حق أحدهم، وأن يمضي في حياته بعدها وكأن شيئاً لم يكن؟ وبالأخص عندما لا يُكتشف أمره؟ هل يمكن أن يتغلب الواحد منّا في مثل هذا الموقف حقاً على تأنيب الضمير ومرارة الشعور بالوضاعة والرداءة، ويتعايش مع المسألة؟ أم أن تلك الخطيئة ستظل تطارده، لتقتص منه بشكل من الأشكال، ولو بعد حين؟!لنقترب بالموضوع أكثر من وعينا وإدراكنا، ولنتساءل: هل لأحد حق في رقابنا في هذه اللحظة؟ هل نحن مدينون لأحد ما بأي شيء؟ هل اقترفنا خطأً في حق أحد؟ وهل نحن بحاجة إلى إصلاح ذلك الذنب والتكفير عنه؟ وهل من سبيل إلى ذلك أصلاً، أم أن الأمر قد صار متعذراً مستحيلاً؟ هل من مرارة في الضمير تفسد علينا هناءنا واستقرارنا النفسي؟ لننظر إلى أعماق أنفسنا ونُجِبْ.
مقالات
كلماتٌ مُرَّة!
11-02-2014