وزير الإرشاد والأوقاف السوداني الفاتح تاج السر لـ الجريدة.: الدعاة المتشددون والمتساهلون أساؤوا إلى الإسلام
العالم المتساهل يوّسع دائرة المباح بغير ضابط والمتشدد يضيقها بأدلة متعسفة
أكد وزير الإرشاد والأوقاف السوداني الفاتح تاج السر، أن افتقاد التواصل بين الدعاة الشباب والعلماء أدى إلى وجود ظاهرة الفكر المتشدد بينهم، وأشار إلى أن هناك حملة شعواء تقودها منظمات كنسية عالمية لإظهار أن السودان أصبح معادياً لحرية الأديان، بسبب توقف تراخيص بناء دور العبادة للمسيحيين، رغم أن أغلب الكنائس أصبحت مهجورة الآن بعد انفصال الجنوب الذي كان يقطنه عدد كبير من المسيحيين.وطالب خلال حواره لـ"الجريدة" بضرورة تجديد الخطاب الديني، حتى نستطيع إظهار صورة الإسلام السمحة التي شوهها المتشددون والمتطرفون في هذه الأيام.
• ضعف المخزون المعرفي والشرعي لدى الشباب مع حداثة السن أحدث بلبلة في الإفتاء كيف ترى ذلك؟- ضعف المخزون المعرفي الشرعي لدى الشباب جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون غيرها، أو يأخذون بالمتشابهات، وينسون المحكمات، أو يأخذون بالجزيئات ويغفلون القواعد الكلية، لقلة بضاعة بعض الشباب المتصدي للفتوى من فقه الإسلام وأصوله، لذا قد يفهمون بعض النصوص فهماً سطحياً وسريعاً، لأنهم غير مؤهلين بدرجة كافية للتصدي للفتوى في الأمور الخطيرة، ومن المعلوم أن الإخلاص وحده لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه، وإلا وقع في الخلط المؤدي للتكفير، ولهذا كان أئمة السلف يوصون بطلب العلم قبل التعبد والجهاد، حتى لا ينحرف الشباب عن طريق الله، من حيث لا يدري، ويقول الحسن البصري في هذا الشأن: "العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد".• هذا الأمر هل يقودنا إلى افتقاد التواصل الفكري بين العلماء وطلبة العلم؟- هذه الظاهرة باتت جلية اليوم، لأن هناك فئة غير قليلة تواصلها مع علماء ربما يكونون قد رحلوا عن عالمنا قبل مئات السنين، الأمر الذي أدى ببعض طلبة العلم إلى التقليل من شأن العلماء الحاليين، بادعاء أنهم علماء سلطة، أو من الباحثين عن المناصب، فهم في نظرهم علماء مناصب، لا يفهمون الواقع، ولا يتفاعلون مع الأحداث والمستجدات، لأنهم يحملون بزعمهم أفكاراً قديمة لا تناسب الوقت الحاضر، ولا تفي بمتطلبات المسلم المعاصر من العلوم الحديثة.• وكيف ترى ظاهرتي التساهل المفرط والتشدد من جانب بعض العلماء في وقتنا الحالي؟ - كلتا الظاهرتين توقع المسلم في حيرة من أمره، عندما تتجاذبه الاتجاهات الفكرية، المتساهلة في أمر الفتوى والاتجاهات المتشددة إلى درجة التطرف والغلو، في ذات المسألة، وكل توجه له عيوبه، فالعالم المتساهل يوسع دائرة المباح بغير ضابط، والعالم المتشدد يضيقها بأدلة متعسفة، فيوقع المسلم في الحيرة، ولا يدري بأي الآراء يأخذ، وعندئذ يفكر في الأخذ بالأحوط وقد يأخذه ذلك إلى التشدد والغلو، والتعصب، والتطرف من حيث لا يدري، والسبب هو الإفراط والتفريط المنهي عنهما شرعاً، لأن الإسلام دين الوسطية والمتساهل في أمور الفتوى، شأنه شأن المتشدد، لأن النتيجة السيئة واحدة وصولا إلى درجة الإلحاد والعياذ بالله.• يكثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني فما صفات العالم المجدد الذي يقوم بالتجديد؟- يجب أن تتوافر لدى المجدد عدة شروط، أهمها أن يكون على اطلاع شامل بالغث والسمين في التاريخ الإسلامي، وأن يكون على علم بالعلوم الشرعية الظاهرة منها والباطنة، وأن يكون متبحراً في المقاصد الشرعية، والتشريع الإسلامي، ولديه القدرة على استنباط الحقائق، والتفريق بين النصوص، وأن يتمتع المجدد بالإشارات والدلائل عن قلب حاضر، وأن يتوشح المجدد بالإخلاص، وألا يتحيز لمذهب معين، أو طائفة، ومع ذلك فالشروط كثيرة ويصعب أن تتوافر في شخص واحد، بل يجب أن تتوافر في مجموعة تجديد شاملة، تضم العديد من العلماء والدعاة الثقاة.• هل مازالت الحملات التبشيرية تستهدف السودان؟- الحملات التبشيرية لم تنقطع عن استهداف مسلمي السودان، ولكن تزداد وتقل، كما أن هذه الحملات تقف وراءها منظمات كنسية عالمية، جعلت من إفريقيا بوابة للتبشير المسيحي، ومع ذلك نقف لها بالمرصاد بالتوعية والتحذير من الوقوع في براثنها، وبفضل الله كلما زادت حملات التنصير زاد عدد الداخلين في الإسلام، وأريد أن أنبه إلى أمر مهم، وهو أن حملات التبشير التي كانت تحدث في الماضي اختلفت أدواتها ووسائلها عن اليوم، فقد أصبحت اليوم تُدار إلكترونياً، أي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت وبالتالي فإن تأثيرها أشد.• قيل إن وزارة الإرشاد والأوقاف السودانية أصدرت قراراً بمنع بناء دور عبادة للمسيحيين، ما حقيقة ذلك؟- عندما تم انفصال الجنوب السوداني وصار دولة مستقلة، كانت أغلبية سكانه من المسيحيين، في حين أن المسلمين يتمركزون في الشمال يتخللهم أعداد قليلة جداً من المسيحيين، فبدأت بعض الأصوات تنادي ببناء الكنائس، إلا أننا رفضنا استخراج تصاريح البناء، لأن دور العبادة الخاصة بهم تتناسب مع أعدادهم، ومع ذلك تتم الموافقة إذا اقتضت الضرورة ذلك وفقاً لزيادة الأعداد، وهذا الأمر استعدى علينا كل المنظمات المسيحية في العالم بزعم أننا نمنع المسيحيين من أداء حريتهم الدينية، وهذا عار تماماً من الصحة، فلا يوجد اضطهاد ديني في السودان، والكل يعيش في نسيج واحد ولا توجد لدينا فتن طائفية.• توليت من قبل وزارة الشباب وبعدها حقيبة الإرشاد والأوقاف فما أوجه التوافق بين المنصبين؟- عندما توليت وزارة الشباب كان اهتمامي منصباً على تطوير وتنمية الشباب عقليا وثقافيا وبدنيا، أما في وزارة الأوقاف فالاهتمام انصب على تنمية المسلم السوداني روحياً، وتدعيم العقائد وشرح الدين الإسلامي السمح الوسطي، وإعداد دعاة مؤهلين لتبوؤ المنابر، فهما مهمتان متلازمتان.