تركيا واستراتيجية إيران

نشر في 01-01-2014
آخر تحديث 01-01-2014 | 00:01
التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران سوف تصبح أكثر حدة في السنوات المقبلة، وسوف تشكل العامل الرئيسي المزعزع للاستقرار في المنطقة، وفي هذا السياق يصبح الدور الذي تلعبه تركيا كقوة علمانية قادرة على تجاوز الانقسام الطائفي أعظم أهمية من أي وقت مضى.
 بروجيكت سنديكيت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أخيراً إلى بلدان الخليج، يبدو من المرجح أن يستمر الهجوم الفاتن الذي تشنه الجمهورية الإسلامية مع زيارة الرئيس حسن روحاني لتركيا في أوائل الشهر المقبل، وخلافاً لأغلبية الدول العربية المجاورة لإيران، رحبت تركيا بشكل لا لبس فيه بالاتفاق النووي المؤقت الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحد (البلدان الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا). لكن صناع السياسة في تركيا يدركون تمام الإدراك أن هذا الاتفاق قد يقلب توازن القوى الهش في الشرق الأوسط.

ومن منظور تركيا، فإن الاتفاق النووي، في حالة تنفيذه بنجاح وتحوله إلى اتفاق دائم بعد ستة أشهر، من شأنه أن يزيل تخوفاً أمنياً رئيساً، ولا تريد حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن تجد نفسها في مواجهة إيران النووية، خشية نشوء علاقة قوة غير متكافئة مع الجمهورية الإسلامية بعد قرون من العلاقات المتوازنة.

ولكن تركيا لم تكن راغبة أيضاً في التدخل العسكري في إيران بقيادة الولايات المتحدة، وكان من المعتقد أن أي ضربة عسكرية من شأنها أن تخلق المزيد من المشاكل في ما يتصل بالاستقرار والأمن الإقليميين؛ ولهذا السبب، وقف صناع السياسات الأتراك بثبات في تأييد الحل الدبلوماسي للمعضلة الإيرانية، وهو ما حصلوا عليه بالاتفاق الأخير.

وهناك أسباب أخرى وراء ترحيب المسؤولين الأتراك بالاتفاق المؤقت بهذا القدر من الحرارة، فهم أولاً يفسرون الاتفاق باعتباره تبريراً لجهودهم التي باءت بالفشل في مايو 2010 (مع البرازيل) للتوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن التصرف في الوقود النووي الإيراني. وتواصل السلطات التركية تسليط الضوء على هذا الاتفاق الثلاثي السابق مع إيران. على سبيل المثال، أصدرت وزارة الخارجية بياناً أكدت فيه أن "الاتفاق يشكل التطور الإيجابي الملموس الأول في ما يتصل ببرنامج إيران النووي منذ إعلان طهران عام 2010".

وتشعر تركيا بالرضا أيضاً لاعتقادها أن الاتفاق لن يضعف موقفها من الحقوق السيادية بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. كانت تركيا تدافع باستمرار عن تفسير هذه المعاهدة بأن الدول لديها الحق في تأسيس برامج محلية لتخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة منع الانتشار، شريطة اتفاق هذه البرامج مع التزاماتها بموجب المعاهدة.

حتى في أوج التوترات الدبلوماسية مع إيران، امتنعت تركيا عن تبني الموقف الأميركي الأكثر تطرفاً، والذي تحدى حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ومن هنا فإن القبول الضمني والمشروط لهذا الحق يشكل نتيجة مرضية لتركيا، ورغم أن تركيا ليس لديها في الوقت الحالي أي مخططات لتطوير دورة الوقود النووي في برنامج خاص بها، فإن أجندتها الطموحة لتنمية الطاقة النووية جعلت صناع السياسات هناك عازمين على حماية الحقوق المعترف بها بموجب معاهدة منع الانتشار، بما في ذلك الحق في تخصيب اليورانيوم.

وهناك أيضاً اعتبارات اقتصادية مهمة بالنسبة إلى تركيا، التي تعتمد على إيران في الحصول على حصة كبيرة من وارداتها من الطاقة، بنفس القدر من الأهمية، وباعتبارها دولة مجاورة، فإن إيران كانت شريكاً تجارياً تقليدياً- العلاقة التي تتجاوز قيمتها 15 مليار دولار سنوياً، ونتيجة لهذا، تأثرت إمكانات التصدير التركية سلباً بالتشديد المتزايد لنظام العقوبات المفروضة على إيران، حيث تقدر خسائرها بنحو 6 مليارات دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2013. ومن المتوقع أن تستفيد صناعات التصدير التركية من التخفيف التدريجي للعقوبات، وتأمل هذه الصناعات تلبية الطلب الإيراني المكبوت على السلع الاستهلاكية والاستثمارية.

أخيراً، وعلى النقيض من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، تشعر تركيا بارتياح عام إزاء التداعيات الجيوسياسية المترتبة على الاتفاق، ذلك أن تحسن العلاقات الإيرانية في الغرب وتخفيف الضغوط الدبلوماسية المفروضة على الجمهورية الإسلامية لا يشكل تخوفاً كبيراً بالنسبة إلى تركيا، ولكن هذا السيناريو، في نظر دول الخليج- وربما أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل- يفتح الباب أمام زيادة النفوذ الإيراني في أنحاء المنطقة المختلفة. وتعتقد هذه البلدان أن الولايات المتحدة، بعد الاتفاق المؤقت، لن تنجح في إظهار القدر الكافي من العزيمة القوية لردع إيران عن السعي إلى فرض هيمنتها الإقليمية.

وفي هذه الحالة فإن التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران سوف تصبح أكثر حدة في السنوات المقبلة، وسوف تشكل العامل الرئيسي المزعزع للاستقرار في المنطقة. وفي هذا السياق يصبح الدور الذي تلعبه تركيا كقوة علمانية قادرة على تجاوز الانقسام الطائفي أعظم أهمية من أي وقت مضى، ويحسن صناع السياسة الأتراك صنعاً بانتهاز هذه الفرصة لتوطيد فعالية البلاد كقوة فاعلة إقليمية تتمتع بوضع فريد يسمح لها بمنع التهديد المتمثل بهذا الصدع المتزايد الاتساع، والذي ربما يشكل خطورة بالغة.

سنان أولغين

* رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، وباحث زائر لدى كارنيغي أوروبا في بروكسل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top