في مساء الثلاثين من مايو 1961، تمكن كمين نصبته مجموعة ثائرة خارج مدينة سانتو دومينغو من اغتيال رجل جمهورية الدومينيكان الأول الزعيم المنعم على الوطن، ومستعيد الاستقلال المالي فخامة الرئيس الدكتور رافائيل ليونيداس تروخييو مولينا، في ذلك اليوم الذي أمطرت فيه سيارته بوابل من الرصاص المنطلق من مسدسات وبنادق لم يكن ليوقفها شيء عن تمزيقه شر تمزيق سوى نفاد الذخيرة.

Ad

 كانت جمهورية الدومينيكان تعيش السنة الحادية والثلاثين من فترة حكم هذا الزعيم الذي استولى على السلطة منذ عام 1930، واضعاً كل ثروات البلاد ومقدراتها في قبضته، مستولياً على كل شيء ابتداء من مزارع قصب السكر والبن وجوز الهند وتربية المواشي والخيول وإنتاج الملح، مروراً بشركة الطيران وشركة التأمين، ومصانع تكرير السكر والنفط، وصناعة الخمور والتبغ، والأسمنت والكبريت والأحذية، حتى سلسلة المواخير وتجارة المخدرات!

حول هذا الطاغية المتوحش الذي كان يخفي عينيه الرهيبتين وراء نظارة سوداء، ولم يكن يكتفي بمراقبة سلوك الجميع من حوله من خلالهما، إنما راقب وسيطر على ضمائرهم وأحلامهم كذلك، كنت قرأت قبل مدة رواية مترجمة عن الإسبانية بعنوان "حفلة التيس" كتبها الروائي "ماريو بارغاس يوسا"، بقدرة فائقة تمكن هذا الروائي المبدع من أن يصف، بذاك المذاق الذي يميز طريقة الكلام الدومينكانية، مرحلة تاريخية قاتمة في حياة جمهورية «الدومينيكان» الصغيرة.

 تحدث عن هذا الطاغية الذي أنزل بشعبه من الآفات والمصائب والأهوال ما لا يتصوره عقل، واستطاع رسم صورة مرعبة له مستعيناً بحسه الروائي العميق، وتجربته الأدبية الفنية، عبر تقصي فترة تاريخية سياسية يندر في الفن الروائي تناولها بالشكل الذي أظهرته هذه الرواية.

وجدت من خلال قراءتي للرواية وصفاً عميقاً ودقيقاً لدواخل الشخصيات ومشاعرها، وحالات الهلع والذعر التي تنتابها، ورسما آسراً للشوارع والبيوت والطرقات والبحر وفق مشاهد بصرية لم تترك شيئاً إلا أفردت له مساحة عبر مستويات زمنية مختلفة، سيّرها الكاتب جنباً الى جنب لينتقل القارئ بطريقة سلسة بينها، جاءت هذه الرواية لتصف أرواحاً باحثة عن الطمأنينة في تضاريس تلك الجمهورية المضطربة القلقة، لتتحاور بخوف، وتحيا بخوف، وتموت بخوف، لكنها تغلبت في النهاية على هذه العقدة، وقتلت الطاغية!

وأنا أكتب ما سبق سئلت عن مناسبة المقال، قلت لا مناسبة خاصة لأن كل الطغاة في التاريخ، كهذا التيس في رواية يوسا، كانت وستكون نهايتهم بشعة بشكل من الأشكال يوما ما، فليتعظ من لم يصله الدور!