قضت محكمة الجنايات بحبس موظف في بلدية الكويت ثلاث سنوات وأربعة أشهر مع الشغل، وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة بكفالة مادية قدرها الف دينار، بعد إدانته بجريمتي الرشوة والتزوير المنسوبة إليه من النيابة العامة، على خلفية تقاضيه مبلغا قدره 800 دينار مقابل امتناعه عن تحرير مخالفة تثبت وجود مخالفة بأحد المحال الواقعة في احد المجمعات التجارية رغم وجود إنذارات سابقة بوجود مخالفات عليه.

Ad

وأسندت النيابة العامة للمتهم «بصفته موظفا في البلدية طلب وقبل لنفسه مبلغا ماليا مقداره 800 دينار على سبيل الرشوة، وكان ذلك للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته بأن حرر رسما كروكيا ببيانات الرقابة على التراخيص الهندسية بعدم وجود مخالفات إنشائية غير مرخصة لأحد المحلات الواقعة في احد المجمعات التجارية رغم وجود مخالفات به، وتحريره إنذارين للمحل بإزالتها».

وأضافت النيابة، في تقرير اتهامها للمتهم، أنه «ارتكب تزويرا في محرر رسمي (رسم الكروكي) بأن أثبت به –خلافا للحقيقة– أن محل المجني عليه خال من المخالفات الإنشائية، مع علمه بوجود مخالفات أثبتها بإنذاره السابق بقصد استعماله على نحو يوهم بمطابقته للحقيقة، فأصبح المحرر –بعد تغيير الحقيقة فيه– صالحا لأن يستعمل فيما زور من أجله».

وقائع القضية

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن «وقائع القضية تتحصل في أن المتهم اتجر بوظيفته العامة، وزور في محرر رسمي، منحرفا عن جادة الصواب والواجبات التي تفرضها عليه أمانة عمله في البلدية، بأن قام بتحرير إنذارين لمحل الشركة بسبب وجود مخالفات إنشائية به تتمثل في دورة مياه ومطبخ وحائط خشبي غير مصرح ببنائها، ما يحول دون الحصول على التراخيص اللازمة لممارسة نشاطه في تأجير السيارات».

وأضافت: «ثم طلب المتهم من الشاكي –على سبيل الرشوة– مبلغا ماليا مقداره 800 دينار مقابل تمرير المعاملة له عن طريق تحرير رسم كروكي ببيانات الرقابة على التراخيص الهندسية لا يحتوي على تلك المخالفات، فما كان من الشاكي إلا أن أبلغ ضابط إدارة مكافحة التزييف والتزوير بذلك، فاستصدر إذنا من النيابة العامة بضبط وتفتيش المتهم وتسجيل وتصوير ما سيدور بينه وبين الشاكي من لقاءات وحوارات، وفي حوالي الساعة الثانية ظهر يوم الواقعة توجه المتهم إلى المحل، حيث التقى الشاكي وتسلم منه مبلغ الرشوة المتفق عليه من نقود المباحث المرقمة، وتم ضبطه متلبسا بالجرم المشهود».

وتابعت انه «باستجواب المتهم في تحقيقات النيابة العامة أنكر التهمتين المسندتين إليه، وقرر أنه ساعد الشاكي في إتمام إجراءات ترخيص محله، بعدما وعده بإزالة ما فيه من مخالفات إنشائية، وبين له مروره بظروف خاصة تتعلق بوفاة والدته، وأنه توجه إليه لتسلم هدية قال إنه أحضرها له من العمرة، إلا أنه فوجئ به يعرض عليه مبلغا ماليا، فرفض تسلمه».

وأشارت الى أنه «بشأن ما أثاره الدفاع من بطلان إذن النيابة العامة لقيامه على تحريات غير جدية، تأسيسا على أن ضابط الواقعة تلقى البلاغ من الشاكي فسارع إلى إعداد محضر تحرياته وعرضه على السيد وكيل النيابة في ذات اليوم دون الوقوف على مدى صحة هذا البلاغ، فإنه من المقرر أن ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن به هو أن يكون رجل الشرطة قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة –جناية أو جنحة– قد وقعت من شخص معين، وأن يكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تعرض التحقيق لحرمة مسكنه أو شخصه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة».

مصادر سرية

وزادت المحكمة: «لا يوجب القانون حتما أن يكون رجل الشرطة قد أمضى وقتا طويلا في هذه التحريات، إذ له أن يستعين –في ما يجريه من تحريات وأبحاث أو ما يتخذه من وسائل التنقيب– بمعاونيه من رجال السلطة العامة والمصادر السرية، ومن يتولون إبلاغه عما وقع بالفعل من جرائم مادام انه اقتنع شخصيا بصحة ما نقلوه إليه، وبصدق ما تلقاه من معلومات دون تحديد فترة زمنية لإجراء التحريات».

واردفت: «أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق، تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الإذن وجدية التحريات التي بُني عليها، فإنها تقر النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن، ولا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون».

وأوضحت أنه متى كان الثابت من محضر التحريات الذي صدر إذن النيابة العامة بناء عليه أن ضابط الواقعة ذكر فيه سردا وافيا لمضمون البلاغ الذي تلقاه من الشاكي، وطلب أحد موظفي البلدية منه مبلغا ماليا مقداره ثمانمائة دينار للتجاوز عن المخالفات الإنشائية الموجودة بمحله، وبالاستعلام عن رقم الهاتف النقال الخاص بهذا الموظف تبين أنه مسجل باسم المتهم».

والمحت الى انه «باستخراج صورة شخصية له وعرضها على الشاكي تعرف عليه مؤكدا أنه هو الموظف المقصود الذي طلب منه الرشوة، وبناء عليه تم تحديد بياناته على وجه الدقة من حيث اسمه الكامل وجنسيته وعمره وعنوان سكنه، ثم تم عرض محضر التحريات على السيد وكيل النائب العام الذي اطمأن إليه وأذن بضبط وتفتيش المتهم وتسجيل وتصوير ما سيدور بينه وبين الشاكي من لقاءات وحوارات، الأمر الذي ترى معه المحكمة جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن النيابة العامة الذي يصبح –من بعد– سليما وبمنأى عن قالة البطلان».

تحريات جدية

واستدركت المحكمة انه «لا ينال من ذلك قصر الفترة الزمنية بين وقت البلاغ ووقت تحرير محضر التحريات باعتبار أن هذا الأمر –فضلا عن إشارته إلى حرص ضابط الواقعة على القيام بواجبات عمله وعدم تهاونه فيما يتلقاه من بلاغات عن الجرائم– لا يعني بالضرورة أن التحريات غير جدية، إذ لم يستلزم القانون أن يمضي رجل الشرطة وقتا طويلا في التحريات، ومن ثم يغدو ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص على غير أساس حريا بالرفض».

وقالت: «وحيث إنه بشأن ما أثاره الدفاع من خلق الجريمة من قبل ضابط الواقعة والشاكي للإيقاع بالمتهم، فإنه من المقرر أن من الواجبات المفروضة على رجال الشرطة الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معرفة مرتكبيها، فكل إجراء يقومون به في هذا السبيل يكون صحيحا منتجا لأثره طالما أنهم لم يتدخلوا بفعلهم في خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة، ومن ثم لا تثريب على رجل الشرطة في أن يصطنع –في تلك الحدود– من الوسائل ما يؤدي إلى مقصوده في الكشف عن الجريمة دون التحريض عليها أو خلقها بالتدخل فيها».

وأضافت أنه «متى كان الثابت للمحكمة أن المتهم هو الذي قام بخلق الجريمة بفعله وحده لا بفعل غيره عندما طلب من الشاكي مبلغ الرشوة مقابل تمرير المعاملة له عن طريق تحرير رسم كروكي ببيانات الرقابة على التراخيص الهندسية لا يحتوي على المخالفات الإنشائية، وأن ما تلا ذلك من تسجيلات صوتية ومرئية وصولا إلى الكمين الذي تم من خلاله ضبطه بالجرم المشهود في المحل لا يعدو عن كونه من قبيل الإجراءات المباحة قانونا للكشف عن جريمة وقعت بالفعل وغير مختلقة، الأمر الذي يكون معه ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص بعيدا عن محجة الصواب حريا برفضه أيضا».

وافادت بأنه «بشأن تمسك المدافعين عن المتهم في مرافعتهما الشفوية ودفاعهما المكتوب بأن المعاملة صدرت بتاريخ واستلمها الشاكي بتاريخ قبل واقعة استلام المبلغ المالي، فهو في مجمله غير سديد ومردود عليه بأنه أيا ما كان وجه الرأي في صحته ليس من شأنه التأثير على قيام جريمة الرشوة كما هي معرفة به في القانون، ذلك أن الأدلة التي ساقتها النيابة العامة تقطع باتجار المتهم بوظيفته العامة وطلبه وقبوله لنفسه مبلغا ماليا مقداره ثمانمئة دينار على سبيل الرشوة للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته».

وقوع الجريمة

واستطردت المحكمة: «هذا ومن المستقر عليه فقها وقضاء أن جريمة الرشوة من جرائم الخطر، وأنه يكفي لوقوعها أن يطلب الموظف فائدة مقابل القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، فلا يلزم فيها تحقق نتيجة معينة بحدوث ضرر معين يلحق بالوظيفة العامة أو الغير، ما يعني أن الجريمة تقع بمجرد الطلب أو القبول من الموظف حتى ولو لم يؤد العمل المطلوب منه بالمرة».

وتابعت: «انها بعدما أحاطت بواقعة الدعوى وظروفها وملابساتها عن بصر وبصيرة تطمئن إلى أدلة الثبوت السالف إيرادها، والمتمثلة في ما شهد به كل من ضابط إدارة مكافحة التزييف والتزوير والشاكي ومسؤول المتهم بالبلدية، وما أورده تقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية، هذا إضافة إلى ما ثبت من اطلاع المحكمة على محتوى القرصين المدمجين المرفقين، والصورتين الكربونيتين للإنذارين، والرسم الكروكي، وذلك لسلامة مأخذ هذه الأدلة وتساندها مع بعضها البعض وكفايتها –مضمونا ومؤدى– في التدليل على صحة التهمتين المسندتين إلى المتهم وثبوتهما في حقه بالوصف الذي أسبغته النيابة العامة على الواقعة».

واردفت: «ومن ثم فإنها تأخذ بها وتعول عليها في قضائها بإدانته، ويكون قد استقر في ضميرها ووجدانها –بيقين لا يحوطه أدنى شك– أن المتهم –في الزمان والمكان سالفي الذكر– ارتكب جنايتي الرشوة والتزوير في محرر رسمي بالكيف والوصف الواردين في تقرير الاتهام، وبناء عليه فإنها تقضي بمعاقبته عنهما طبقا لنصوص مواد الاتهام وعملا بنص المادة (172/1) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية».

حوار التسجيلات حول الرشوة

ذكرت المحكمة أنها «تأكدت من ثبوت ارتكاب المتهم الواقعة على نحو يقيني وجازم لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه، من اطلاعها على محتوى القرصين المدمجين المرفقين، إذ جاء في أحد التسجيلات الصوتية ما يلي:

الشاكي: بس خلاص، يعني مصمم 800 ماكو أقل من جذي؟

المتهم: والله العظيم مالي فيهم دينار، شحلف لك بعد؟

الشاكي: تضمن لي سنة كاملة محد راح يجي يفتش ولا شيء؟

المتهم: محد يجي أي أي أكيد أكيد.

الشاكي: أسلمك الفلوس وعلى طول تعطيني الرخصة؟ ما فيها باكر يأذوني؟

المتهم: أي إن شاء الله.

وجاء في تسجيل آخر:

الشاكي: الأوراق معاك؟

المتهم: لا الأوراق بالمكتب.

الشاكي: شلون بالمكتب؟ أنت مو قلت لي سلمني وأسلمك؟ ألحين صاروا بالمكتب؟

المتهم: ماشي ولد عمي، بالمكتب، أنت ألحين خلص هني وتجي المكتب وتأخذ الأوراق على طول.

الشاكي: ليش ما جبتهم معاك؟

المتهم: ما أقدر ما أقدر، اعذرني.

وفي تسجيل ثالث:

الشاكي: أنا فلوسك من أمس ساحبهم ومخليهم.

المتهم: أي بس هذا خلاص، ما في مشكلة إن شاء الله.

الشاكي: خل أشوف المندوب وأدق عليك، ألحين دقيقة.

المتهم: دق على المندوب وقول له خل يجيني، الأوراق جاهزة بالمكتب.

الشاكي: توكل على الله.

المتهم: حياك الله أبوي.

وفي تسجيل رابع:

الشاكي: متى تبي؟

المتهم: أنا بالنسبة لي عادي، هذا يجي يأخذ الأوراق ويمشي، وأنا أمرك على طول.

الشاكي: خلاص.

المتهم: متى يناسبك يعني؟

الشاكي: الظهاري (2) زين؟ (1.30)؟

المتهم: خلها 2 على أساس آخذ العيال وأقطهم البيت وأجي.

الشاكي: تعال الساعة 2 أعطيك الفلوس وانتهى الموضوع.

المتهم: إن شاء الله، بإذن الله».