يُعتبر معرض بول غيراغوسيان {الحالة الإنسانية} الأكثر تكاملاً وشمولية للفنان الراحل، كونه يتضمن أعمالاً تحاكي تجربته الطويلة على امتداد خمسة عقود، كذلك يشكل إعادة تقويم وتأطير لشخصية غيراغوسيان، أحد أهم الفنانين اللبنانيين، وأثبت حضوراً مميزاً على المستويين العربي والعالمي، وكانت لوحاته تباع بقوة في المعارض والآن أصبحت تسجل أرقاماً قياسية في المزادات العالمية والعربية.
يشرف على المعرض كل من سام بردويل، وتيل فيلراث من مؤسسة Art-Reoriented، المتعددة الاختصاصات في مجال تنظيم المعارض الفنية في شتى أنحاء العالم، وتتخذ من ميونخ ونيويورك مقراً لها.يتضمن {الحالة الإنسانية} عشرات اللوحات، وأعمالاً أخرى على الورق لم تعرض سابقاً، الى جانب ملفات أرشيفية توثيقية أصلية. وقد وصف كل من بردويل وفيلراث التجربة {بالمثيرة كونها تسمح بإعادة استكشاف عوالم بول غيراغوسيان المتعددة، نظراً إلى الأعمال الفنية والوثائق التي نادراً ما ظهرت للعيان، والتي وفّرتها المؤسسة وقدمتها لنا لتعميق أبحاثنا. وتبيّن لنا من خلال مراجعتنا للمواد أن لدى بول ما يشكل شغفاً حقيقياً، لردم الهوّة بين التجريدي والواقعي في الفن، وقد سعينا جاهدين إلى إظهار ذلك في المعرض}. لم يعتمد المشرفان على أسلوب العرض، تسلسل المراحل الزمنية، إنما قسّما المعرض إلى أجنحة تحمل عناوين المواضيع: الرسم الذاتي، الأسرة، المرأة، الإيمان، اليأس، المسرح، الحياة، ووجوه... ويضم كتيب المعرض كثيراً من مقتطفات أقوال الفنان إلى جانب لوحاته.تجربة المنفىولد غيراغوسيان عام 1925، عاش تجربة المنفى منذ صغره، وظهرت موهبته المبكرة خلال سنواته الدراسيّة الأولى في القدس، ورسم بورتريهات لدعم والدته مادياً. في الأربعينيات كان لا يزال شاباً تسجل في {استوديو ياركون للفنون} في يافا، ومن الروائع التي أنجزها نتيجة التدريب المكثف الذي تلقاه في تلك المرحلة: {الأزمة} (1948)، {امرأة أمام مرآتها} و{حواء الحامل} (1949).عاش طفولته وحداثته بين شوارع القدس وأديرتها وأحيائها، حيث تختلط أصوات الأذان مع الأجراس والتراتيل. لذا احتلت الأيقونة المسيحية المقدسية مكانة مركزية في نتاجه. يقول عنه الفنان كمال بلاطة: {من خلال عناصر الأيقونة المسيحية أخذ غيراغوسيان في تأسيس النواة الأولى للصورة الانطباعية للتراث، وبات العالم الأيقوني الذي توسطه جسد الإنسان، بمثابة المفتاح الذي أدخلنا غيراغوسيان بواسطته عتبات الزمن الفلسطيني}. أما غيراغوسيان نفسه فيقول عن حياته الفنية في القدس وبيروت معاً: {وعرفت أن العالم يعيش أيضاً في دير كبير، والإنسان في أي مكان، داخل الدير أو خارجه، يفتش دائماً عن طريق}.أسوة بكثير من العائلات الأرمنيّة، انتقل عام 1948 من القدس إلى لبنان وهو البلد الذي اعتبره الفنان وطنه النهائي وأمضى فيه بقيّة حياته وأسس عائلته وفنه وريادته وشهرته اللاحقة.له صداقات وثيقة مع مصطفى فروخ وسيزارالجميل سمحت له أن يأخذ التقليد، وكان على صداقة قوية اليساريين، خصوصاً المخرج أسامة العارف.
توابل
بول غيراغوسيان مستعاداً... رسام الأحوال الإنسانية
05-12-2013