ما جرى في اجتماعات عمّان!
كل الذين راهنوا على أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيرفع يديه عالياً، عندما يصل إلى واشنطن في زيارته الأخيرة التي التقى خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد خاب ظنهم وخسروا كل مراهناتهم فـ"أبو مازن" رفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، رغم كل ما تعرض له من ضغوط، هي في حقيقة الأمر لا تزال، وهنا فإنه لابد من الإشارة إلى أن قرار قمة الكويت العربية الأخيرة بهذا الخصوص قد أعطى الفلسطينيين دعماً حقيقياً كانوا في انتظاره وكانوا في أمسِّ الحاجة إليه.ولهذا فإن لقاءات عمّان أمس الأول ما بين عباس وكيري لم تتطرق، على الإطلاق، إلى مسألة يهودية الدولة الإسرائيلية، كما أن المفاوضات الطويلة المرهقة قد ركّزت على تمديد مهلة الأشهر التسعة التي اقتربت من نهايتها، لأن الرئيس أوباما بحاجة إلى مثل هذه المهلة، لمواصلة مساعيه التي كان بدأها مبكراً لتحقيق أي إنجاز بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط، للاستعانة به لمواجهة الحملة الضارية التي يتعرض لها من بعض الأوساط في حزبه الحزب الديمقراطي.
كان كيري قبل أن يلتقي "أبو مازن" في عمّان، أمس الأول، في سباق مع الزمن لإحراز أي تقدم، فيما يتعلق بتمديد فترة المفاوضات مع الإسرائيليين، يسبق زيارة الرئيس باراك أوباما المرتقبة للمملكة العربية السعودية، ولذلك فإنه، أي وزير الخارجية الأميركي، قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني العائد تواً من الكويت إلى العاصمة الأردنية ليعرض عليه بعض الاقتراحات والأفكار بالنسبة لهذه المسألة، لكن الرئيس الفلسطيني أبلغه، بكل حسم، أنه ضد الحوارات الهاتفية، وأنه ليس مستعداً أنْ يناقش إلا اقتراحات مكتوبة باسم الإدارة الأميركية. وهكذا فقد انتقل كيري فوراً إلى عمّان وبدأ مفاوضات الغرف المغلقة مع "أبو مازن"، بعد لقاءٍ في الاتجاه ذاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ولعل ما يمكن التكهن به في هذا المجال هو أنَّ هناك استعداداً مبدئياً فلسطينياً لتمديد فترة مفاوضات الأشهر التسعة التي اقتربت من نهايتها، ولكن ليس بدون أيِّ ثمن... والواضح أنَّ الفلسطينيين، حتى إنْ تم الاتفاق فعلاً على مثل هذه الخطوة التي يريدها الأميركيون عاجلة، أكدوا لوزير الخارجية الأميركي ولكل مَن حدّثهم في هذا الأمر أن إعلان موافقتهم لن يكون قبل غدٍ السبت التاسع والعشرين من الشهر الجاري، والسبب هو أن المفترض أن يفرج الإسرائيليون عن الدفعة الجديدة من الأسرى الفلسطينيين حسب الاتفاقات المبرمة السابقة في هذا اليوم.هناك كلام كثير قيل ويُقال حول صفقة قد تشمل جوناثان بولارد الجاسوس "اليهودي" المعتقل في الولايات المتحدة، وكلاً من أحمد سعادات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومروان البرغوثي المعتقلَين في إسرائيل منذ عدة أعوام، لكن المؤكد، حتى إن كان هذا الأمر وارداً بالفعل، أنه لن يتم أي تمديد لفترة المفاوضات المطلوبة ما لم يحصل الفلسطينيون على ضمانات مكتوبة بوقف الاستيطان، وخصوصاً في القدس بصورة مؤكدة.هذا هو واقع الحال، ولذلك فإن على كل الذين شككوا في مواقف "أبو مازن"، وأولهم "حماس" ومعها "الجهاد" وبعض تجار التصريحات الصحافية النارية من العواصم البعيدة، أن يراجعوا حساباتهم، وأن يفهموا أن محمود عباس ليس طارئاً على العمل الوطني الفلسطيني، وأنه أحد مؤسسي حركة "فتح" الأوائل، وأحد المشاركين في اجتماع "الصليبيخات" الشهير بالكويت الذين اتخذوا قرار إعلان الثورة المسلحة في الفاتح من عام 1965... إن هذا الرجل لا يمكن أنْ يعترف بإسرائيل دولة يهودية، حتى إن كان مصيره الشهادة مثله مثل ياسر عرفات (أبو عمار)، وخليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد) وماجد أبو شرار، وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر، وكمال عدوان.