«لعبة دي نيرو» صوت راوي حاج الأبقى!

نشر في 28-05-2014
آخر تحديث 28-05-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي الحيوات الملوّنة تختفي وراء المنعطف، والرواية قادرة على جرّ خطونا لكشف تلك الحيوات المخبّأة، والقراءة هي وسيلة الكشف الأجمل لعالم تلك الحيوات الساحرة!

«راوي حاج، كاتب لبناني كندي، ولد في بيروت، وترعرع بين بيروت وقبرص. ثم انتقل إلى نيويورك عام 1982، وبعد إنهاء دراسته في معهد نيويورك للتصوير، انتقل إلى مونتريال، حيث درس الفنون، واستقر هناك» في روايته «لعبة دي نيرو»، الصادرة عن شركة المطبوعات، بطبعتها الثالثة 2012، يكشف راوي عن حياة جيل من الشباب اللبنانيين الذين عاشوا ضياع وموت الحرب الأهلية، واضطر بعضه إلى الهرب من لبنان بغية البعد عن الموت المجاني البشع، وبحثاً عن سماء تنتثر عليها النجوم، ولا تهمي منها القذائف.

منذ الصفحات الأولى، يدرك القارئ أن راوي حاج حكاء ماكر، يعرف تماماً كيف يُحيك ثوب الحكاية من تفاصيل الواقع الصغيرة، وربما الصغيرة جداً، فتمسك بالقارئ وتأخذه إلى عوالمها بسلاسة دون أن يستطيع منها فكاكاً. «كان مذياع والدتي دائراً. لم يزل كذلك منذ بداية الحرب، مع بطاريات «رايوفاك» التي تعيش آلاف السنين، وغطاء بلاستيكي رخيص، أخضر اللون، تعلوه الثقوب وما علق من طبخ على أصابع أمي، وغبارٌ تغلغل بداخل مفاتيحه فقبع هناك».

«لعبة دينيرو» رواية كابوسية، ترصد لحظات الحرب اللبنانية الأهلية من خلال عين وصوت الرواي الأوحد في الرواية الشاب «بسام»، الذي أخذت الحرب والده، وعاش مع ولدته إلى حين موتها، متحدياً فكرة الهرب من الموت، ورافضاً النزول إلى الملجأ حين يحتد القصف، مصرّاً على البقاء مدداً على سريره وفي غرفته.

بسام، عامل التحميل في الميناء، شاب مثل آلاف الشباب اللبناني الذين احترقوا في تنور الحرب الأهلية، وذابت أحلامهم الإنسانية، حاملين مسدساتهم تحت قمصانهم، والموت تحت خواطرهم. والرواية إذ تقوم على سرد يوميات بسام في محيطه، وعلاقته بصديقه «جورج» وحبيبته «رنا»، إنما تقدم وصفاً دالاً ومؤلماً لسنوات الحرب التي جعلت من الضياع ملجأً لأحلام الشباب، وصار لون الدم القاني، لون اللحظة العابرة.

بسام الشاب المسيحي الهادئ المنطوي على نفسه، يبدو عازفاً عن المشاركة في الحرب، معرضاً عن قتل الإنسان، وهو إذ يعيش في دائرة القتل، ودائرة السلاح، ودائرة الفراغ، يعيش بهاجس الخروج من لبنان إلى روما، ويعمل ما أمكنه لكسب بعض المال ليمكنه من تنفيذ فكرته. وهو في سعيه لتحقيق هدفه يرى ويعيش ويلات الحرب، وكيف أنها قادرة على تغيير أخلاق البشر، وطحنهم بماكينة عنفها المجنون، حتى لتغدو اللحظة الطبيعة أصعب ما يمكن مصادفته.

رنا صديقة بسام تخونه مع صديق طفولته جورج، الشاب الطموح الذي لا يتوانى عن الاتصال بالإسرائيليين والتدرب في معسكراتهم بصفته مسيحياً، بغية الانتقام من أبناء وطنه، وهزيمتهم كونهم من ديانة أخرى. وبسام إذ يسعى إلى هدفه يشتغل في تهريب الويسكي المغشوش، كما أنه يعايش تعاطي المخدرات والجنس الرخيص، لكنه يبقى بنأيه وصمته، وحين يتهم بقتل العجوز «لوران» وسرقة الألماس، ويخضع لتعذيب يكاد يقضي على حياته، تنقذه «نبيلة» خالة جورج، فيعيش أياماً بين الحياة والموت، إلى حين يسترد صحته، ويقتص ممن عذّبه.

بسام، بعد عملية سرقة كبيرة، يُكتب له الهرب على ظهر سفينة إلى فرنسا ليصل إلى باريس وهناك تساعده أخت جورج من أبيه، لكنه يكتشف أن الفرنسيين جزء من لعبة الحرب في لبنان، وأنهم جندوا جورج للذهاب إلى إسرائيل، ولحظتها يداهمه حلمه بالذهاب إلى روما.

«لعبة دي نيرو» رواية تستحوذ على القارئ وتضمن لاسم مؤلفها راوي حاج مكاناً ومكانةً لافتة على ساحة الرواية العربية والعالمية.

back to top