ضمن سلسلة «آفاق السينما»، التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، صدر للمخرج والباحث العراقي المولد الألماني الجنسية قيس الزبيدي كتاب «في الثقافة السينمائية.. مونوغرافيات».

Ad

 يتضمن الكتاب 12 فصلاً، قدمه الشاعر والمترجم والأديب والناقد السينمائي السوري زياد عبد الله بكلمة نوه فيها إلى العلاقة الوثيقة بين الزبيدي والسينما والكتب، و»الحياة المترامية التي يضبطها متلبسة في لقطة، ولا يترك اللقطة كي تمضي من دون ربطها وسياقها التاريخي، فيكتب عنها ويحضر معها آلاف اللقطات والأفلام بينما كل ما حولنا يراد له أن يكون لاتاريخياً، عابراً، معلباً، صالحاً للاستعمال مرة واحدة فقط».

هكذا وصف زياد عبد الله «الرائد» قيس الزبيدي، كما أطلق عليه، وأفلامه التي تلقفها بشغف ودهشة، حسب تعبيره، والحالة الفنية والنقدية التي شكلها الرجل، والكيفية التي قارب بها الفن السابع أو الفنون السبعة التي تختزلها السينما، ومناهضته، في الشق النظري من تجربته، للوباء العربي في الإبداع والنقد الذي يزداد تفشياً في مقاربة الفيلم، وفي تعريفه لاصطلاح «مونوغرافيات في الثقافة السينمائية»، يؤكد عبد الله أن «المونوغراف» هنا تتبع للسينما من حسن بن الهيثم والفوتوغراف إلى أيامنا هذه، وبين المونتاج والميزان سين، وكل ما له اتصال بمفاصل تاريخ السينما.

في الفصل الأول أراد الزبيدي الحديث عن البصريات العربية فما كان منه سوى أن توقف عند كتاب «العصر الذهبي للعلوم العربية» الصادر عن الأمانة العامة لعاصمة الثقافة العربية دمشق 2008، بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس، وكشف حجم إسهام العرب في نشر المعرفة قبل عصر الاستنساخ الآلي، وكيف أسسوا حضارة كونية قبل أن يدخل الغرب عصر النهضة بقرون. وفي حديثه عن كتابة النور لجأ إلى تفكيك مصطلح «الفوتوغرافيا» وصولاً إلى «السينما توغرافيا»، أي الصورة المتحركة. وفي معرض حديثه عن إنتاج الواقع أشار إلى كتاب أصدرته دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عام 2001 من ترجمة د. وجدي كامل صالح، الذي استعرض أهم مراحل تكون علم جمال الفوتوغرافيا والسينما، وكيف فشل إديسون في إضافة الصوت إلى الفيلم عن طريق تشغيل الحاكي أو «الفونوغراف» بشكل مواز مع آلة العرض. وفي إجابته عن سؤال: متى نستمع إلى الموسيقى وأين؟ يسجل الزبيدي امتنانه للدور الكبير الذي أداه المترجم والناقد الموسيقي محمد حنانا عندما كان يترأس تحرير مجلة «الحياة الموسيقية». لكنه يبدي دهشته في الفقرة التي اختار لها عنوان «هل نسمع الموسيقى في السينما؟»، حيال ما سماه تجاهل الناقد البارز سمير فريد، في كتابه «مخرجون واتجاهات في السينما المصرية»، دور الموسيقى ووظيفتها الدرامية في الأفلام؛ ففي تناوله لما يقرب من 57 مقالة عن 75 فيلماً عُرضت في الفترة من 1971 إلى 1999، لم يمنح موسيقى الأفلام التي خصها بالنقد إلا اهتماماً عابراً. ثم يعرج المؤلف إلى قصة الصور المتحركة من خلال الكتاب الذي ترجمه سعد الدين توفيق وراجعه المخرج صلاح أبو سيف، وأصدرته وزارة الثقافة المصرية عام 1967. وقبل أن يُنهي الفصل يتحدث عن فن الفُرجة من خلال كتاب «أحاديث حول الإخراج السينمائي»، الذي يُعد تجميعاً لمحاضرات ألقاها المخرج والمُنظر ميخائيل روم على طلبة السنة الأولى في معهد السينما في موسكو. ويختتم الفصل بكتاب «النحت في الزمن» للمخرج والممثل والكاتب والمُنظر السينمائي الروسي أندري تاركوفسكي، الذي يتحدث في فصله الثالث عن الزمن في السينما، ويُشير في فصله الخامس إلى الصورة السينمائية وعلاقتها بالمونتاج والسيناريو.

على هذا النهج غير التقليدي يسير كتاب «في الثقافة السينمائية... مونوغرافيات»؛ الذي يقدم عصارة ثقافة المؤلف، وحصيلة قراءاته السينمائية، ويُلقي الضوء على كتب نادرة مثل الكتاب الفريد، الذي يحمل عنواناً غريباً هو «فن الفيلم، سيناريو، إخراج، مونتاج»، الذي صدر عن اتحاد خريجي الفنون الجميلة العليا في القاهرة عام 1951 من تأليف رجل مجهول يُدعى مصطفى حسنين كتب على غلافه أنه «بحث علمي شامل لحرفية الفيلم وعرض لآراء قادة الفكر السينمائي في العالم».

اختتم زياد عبد الله مقدمته بقوله: «في هذا الكتاب تلك الآلية الفونوغرافية التي تمنحنا جرعات مركزة مع كل كتاب ينتقل إليه قيس الزبيدي، وهناك متعة جمالية ومعرفية تجعله دعوة للجميع لمقاربة السينما على دفعات مع مخرج ومونتير ومصور وناقد، عراقي وسوري وفلسطيني وألماني، بريشتي الهوى (نسبة إلى برتولت بريخت)، ماركسي الفكر، آيزنشتيني السينما (نسبة إلى المخرج الروسي الشهير سيرجي آيزنشتاين»... وصدق زياد.