يبدو أن هذا شهر الخطط والاستراتيجيات، فقد ابتدأ بتنظيمنا لورش عمل حول التخطيط السليم لإدارة جمعيات النفع العام، واستمر بخطط التنظيم الذاتي لأبنائنا الطلبة والموظفين أيضاً لإدارة الذات، وذلك بتقييم التحصيل العلمي والمهارات تحسباً لتغيير العمل أو للاستقالة أو التقاعد، وقد طرأت لي فكرة إعادة طباعة رسالتي التي حصلت من خلالها على درجة الدكتوراه، والتي ركزت على المنظمات الإقليمية وآلية مكافحة الفساد، فاسترجعت من خلال أوراقي بعض التوصيات الخاصة للمنظمات الإقليمية، ومنها مجلس التعاون الخليجي أن تقوم بتصميم وتطبيق الاختبار الذاتي لحمايتها والعاملين فيها من الفساد الإداري والمالي الأمر الذي تزداد أهميته كلما ازدادت أعباء المنظومة ومسؤولياتها كالتعامل مع المساعدات الإنسانية والإدارية المقدمة للدول المحتاجة.

Ad

 ولا يخفى على أحد ازدياد أهمية موضوع حماية البيئة المحلية من الفساد مؤخراً؛ لذا فقد توقعنا أن يصبح ضمن أولويات السلطة التشريعية في إعادة تصميم الآليات الرقابية، واسمح لي أخي القارئ أن أستذكر حديثا للشيخ محمد صباح السالم الصباح وزير الخارجية الأسبق، ونائب رئيس مجلس الوزراء سابقاً أيضاً الذي قدم استقالته في السابق حول الفساد، وذلك عبر الكلمة التي ألقاها بمنتدى التنمية في الكويت قبل عدة أسابيع، مشيراً إلى التراجع المطلق والنسبي في مؤشرات مدركات الفساد على حد تعبيره، الأمر الذي استدعى المجلس الأعلى للتخطيط أن يقوم بدراسة ظاهرة الفساد في الكويت.

 وجاءت نتيجة الدراسة أو بالأحرى أهم ما توصلت إليه أن شاغلي الوظائف العليا والقيادية مسؤولون مباشرة عن القيام بدور القدوة في تطبيق القوانين باعتبارها الفئة التي تشمل المتورطين بالفساد، وتركز الفساد بالمناصب القيادية ليس بجديد، ففي أستراليا تجد القوانين التي تراقب القيادي أشد حزما من تلك التي تمس المواطن العادي، وذلك لأن المناصب القيادية تتمتع بالصلاحيات المفرطة التي تتحول إلى بيئة جاذبة للقرارات الخاطئة، والتي ترتكز على الالتفاف على القوانين.

 واليوم ومع انتشار المحفزات التي تدفع المواطن للشعور بغياب العدالة نجد لجوء البعض إلى تحريك المياه، وذلك عبر الإشارة مباشرة أو ضمنا إلى امتعاض الأغلبية من تقاعس البرلمان في إقرار قوانين رادعة وخمول الجهاز الإداري الحكومي تجاه تطبيق القانون.

وكما تطرقنا في السابق لموضوع حاجة الدولة لآلية تنفيذية واضحة وصارمة للحد من الفساد الإداري والمالي والسياسي، فهي نابعة عن حقيقة ألا وهي، كما ذكر الشيخ محمد الصباح، انتشار الفساد بأوجهه المتعددة، وأود أن أضيف معلومة، وهي أن الموظف البسيط أيضا طرف في الفساد الإداري في ظل غياب القوانين، ومنها تلقيه وعوداً بميزة غير مستحقة، أو عرضها عليه أو منحه إياها؛ لكي يقوم بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية.

 ولو قمت أخي القارئ بالدخول على موقع الأمم المتحدة لقراءة ميثاق الحد من الفساد لوجدت تعريفاً واضحاً للفساد، وهو اكتساب الثروة بطرق غير مشروعة، وسوء استغلال المنصب لتحقيق مكاسب ذاتية بتجاوز القانون، وإساءة استخدام السلطة في غياب المؤسسة السياسية الفاعلة، إذاً فماذا نحن بفاعلين؟

وأخيراً وليس آخراً، ففي الماضي استخدم النواب أدوات التشريع لإقصاء الوزراء فقط دون محاسبة القيادات الوسطى بحجة استشراء الفساد، تاركين الجهاز الوزاري ليعمل دون رقيب أو حسيب، واليوم وقد مست اتهامات الفساد أشخاصاً كثيرين، وأصابت أجهزه حساسة، فهل سنقوم ببناء بيئة تشريعية رادعة للفساد أم نحتكم لـ"بلاغ الكويت"؟