أغاني امرأة وحيدة

نشر في 16-03-2014
آخر تحديث 16-03-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري "في الغالب لا أترك وحدتي وحيدة أزورها باستمرار".

في تجربة مميزة حافظت فيها الشاعرة العمانية فتحية الصقري على ثيمتها القاسية منذ مطلع ديوانها "أعيادي السرية" حتى نهايته وكأنها توزع دموع وحدتها المفرطة في منديل لا يجف، ترسم قلقها الوجودي وحياتها المثبتة بأوتاد العزلة حتى القلق الذي يسيطر علينا دون أن تترك فرصة لما يمكن أن نطلق عليه الأمل المحتمل. هناك قسوة على الذات، قسوة على الآخر، وقسوة على الحياة بكل تفاصيلها الخادعة وهي قسوة يبدو أن لا خلاص منها.

حاولت طوال الجلسة المسائية وأنا برفقة الديوان أن أبحث عن ما يمكنه أن يفتت هذه الوحدة، عن نهاية واحدة تنتهي بشرائط ملونة أو خاتمة للحزن الذي جسدته في كل قصيدة ولم أجد، وكأن علي أن أضيف لوحدتي ما يشعلها. لا تمنحك هذه الشاعرة المفتونة بعزلتها والمتعايشة معها حد التماهي أي فرصة للاحتفال. ليس أمام أي لوحة من الجمال أن تبعد عنك فكرة الوهم بأن ما تراه ليس سوى صورة مزيفة من الفرح، لقطة مركبة لا تمت للواقع بصلة. كل هذا العالم ليس سوى ما تعيشه أنت ممزقا بين ذاتك وذاتك.

"حين أطيل النظر في وجه العالم/ أصاب بتلك الحالة التى تصيب سائق سيارة صغيرة/ وهو على شك الارتطام بشاحنة مسرعة".

هذا الانزواء الذاتي عن العالم الخارجي مصدر السعادة الوحيد الذي توهمنا به لنكتشف بأنها ترقص ألما وتغني بكاء دون أن يكترث أحد لسماع أنينها الطويل في غرفتها التي أغلقتها عليها وأوصدت بابها دون الآخر.

"امرأة وحيدة في غرفة/ امرأة بعينين ذابلتين وجسد نحيل/ امرأة تحب الضوء الخافت والموسيقى/ أطفالها قصائد غير صالحة للفرح/ تغرق/ في الكآبات بمشهد عابر",

فتحية الصقري ليست حالة خارجة عن عالم المرأة الخليجية، تحديدا، في تحدياتها للعالم من حولها، لتفاصيله المزيفة وتناقضاته وهي تواجه الزيف المحيط بها في عالم لم يمتثل بعد للحياة الممكنة، ولكنه ليس تحديا ايجابيا. وهي ليست الشاعرة والكاتبة الوحيدة التي لم تتمكن من الاعتناء بهذا الزيف والادعاء بأن الأمور مرتبة دون قلق.

يبدو أننا أمام موجة صادقة أدبيا تجتهد في تحليل الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمرأة مبتعدة عن تلوين اللوحة القاتمة وتجميلها لصالح لا أحد.

"تلك الحياة/ البسيطة المبتسمة/ الهادئة في سيرها/ تمر كثيرا من أمامي/ تمر بأزرقها الخفيف/ وأعيادها الصغيرة/ أحاول الامساك بها/ أحاول دائما/ لكنها تختفي".

كل شئ معطل خارج كتابتها، كل شيء لا يسمى حياة خارج غرفتها وأغنياتها التي تستعيدها بحثا عن وهم الحياة. كل شيء ينبئ بنهاية لا تستطيع اخفاءها وهي ترسم طريقا للانتحار الذي لا بد منه.

قصائد هذه الغرفة المغلقة تستحق الثناء فنيا على اتزانها طوال النص المتسق والذي حافظ على بنيانه الداخلي ولكنها أيضا تستحق الانتقاد لعدم قدرتها على التحدي أو الخروج للمواجهة. كان هناك ما يشبه الاستسلام أو الخوف غير المبرر من مواجهة الحياة في الخارج. ورغم كل هذا الاحتفاء بالعزلة يستحق الديوان احتفاء لمقدرته الجميلة على رسمها.

back to top