تقول "أنغريد ستيفنسن"، معلمة التاريخ المعماري في كلية براين مور – بنسيلفانيا سابقاً، إنها كانت من أولئك الذين طالما حلموا في صغرهم بأن يتخرجوا ليعيشوا بعدها حياة أكاديمية يقضونها بين الكتب والبحوث والمحاضرات والطلبة، وأن تصبح أستاذة في الجامعة، وبالفعل كان لها شيء من ذلك، حيث قضت سنوات ليست بالقليلة من عمرها في سلك التعليم والدراسة ومواصلة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه.
لكنها تضيف بأن حلمها عن "الحياة الرائعة في سلك التعليم" الذي كانت تحمله في صغرها لم يطابق الواقع الذي عاشته، حيث اكتشفت أنه كان أبعد ما يكون عن طبيعتها الشخصية وعن شغفها الحقيقي، حيث لمع هذا الاكتشاف أمامها بعدما جربت لأول مرة في حياتها أن تقود سيارة سريعة في إحدى الحلبات!تقول إنها بدأت من بعد ذلك تفقد الاهتمام شيئاً فشيئاً بعالمها الأكاديمي، وشرعت تبحث عن معانٍ أخرى لحياتها، حتى نصحها أحد أصدقائها بأن تكتب كتاباً حول تجربتها في "حلبة السباق" وعن المعاني التي تجلت لها من تلك التجربة، وبالفعل تقدمت بطلب إجازة غير مدفوعة من وظيفتها، واعتكفت لإنجاز الكتاب فكان انطلاقتها في عالم الكتابة وقيادة السيارات السريعة، وتأكيد اكتشافها بأنها أبعد ما تكون عن الحياة الأكاديمية التي وجدتها رتيبة، فسارعت مباشرة لترك وظيفتها، لتنطلق في رحلة شغفها الحقيقي.واليوم تقول أنغريد بأنها لا تدري إن كانت ستعود إلى سلك التدريس في يوم من الأيام مستقبلاً، لكنها تعلم أنها تعيش أجمل أيامها في الوقت الحاضر وتستمتع بعمل ما تحب.كثير من الناس حولنا يعيشون ما يشابه الجزء الأوسط من هذه القصة. يعيشون الرتابة والملل، إما في وظائفهم وإما في حياتهم الاجتماعية وإما حتى في علاقاتهم الشخصية والأسرية، لكنهم لا يمتلكون الشجاعة التي تحلت بها أنغريد حين قررت أن تترك سلك التعليم وتتجه إلى ما تحبه حقاً بعدما اكتشفت أنها في الطريق الذي لا يلائمها.يظل هؤلاء يتجرعون مرارة الرتابة والملل دون أن يفكروا حتى بمجرد المعالجة والتعديل، ناهيك عن التغيير الجذري كما فعلت أنغريد، والقصة الإدارية التي تقول: وُلِد طفلاً عادياً، وكبر فتى عادياً، وصار شابا عادياً، وعمل في وظيفة عادية، ثم تزوج زواجاً عادياً، وعاش حياة عادية، ثم مات عادياً، تلخص حياة هؤلاء.لا يا سادتي، إن الواحد فينا يملك الحق بأن يكون أكثر من شخص عادي في هذه الدنيا وأن يصبح شيئاً مذكوراً، وليس محتوماً على الإنسان أن يتجرع رتابة الحياة ويغوص في مستنقع الملل، وهناك ألف طريقة وطريقة للهروب من هذا الواقع البائس الذي قد يبدو لا فكاك منه عند البعض.لكن ما يحتاجه المرء في المقام الأول، وقبل كل شيء أن تكون لديه الرغبة والهمة في أن يتمرد على واقعه البارد البليد، لأن كل النصائح والإرشادات والمعلومات التي يمكن أن تعطيها الكتب ويعطيها المتخصصون له ستنتهي إلى لا شيء إذا لم يقرر ويبادر من بعد ذلك إلى فعل شيء.لينظر كل واحد منّا إلى نفسه ويسأل: هل هذه هي الحياة التي أود أن أحياها أم أن هناك حياة أعمق وأجمل وأكثر بهجة يحق لي أن أعيشها؟ وإن كانت الإجابة بأن هناك حياة أخرى، فلماذا التردد والتلكؤ يا ترى؟! وليبادر بالتغيير.
مقالات
ولد عادياً وعاش عادياً ومات عادياً!
23-01-2014