خارج البرواز

نشر في 26-06-2014
آخر تحديث 26-06-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري عندما تكون الصورة داخل البرواز مائلة بعض الشيء، ما الذي يزعجنا في ذلك ؟! لماذا يزعجنا مثلا أن تخرج الصورة خارج الإطار ولو قليلاً؟! لماذا نقف بعيدا ونميل برؤوسنا جهة اليمين وجهة اليسار حتى نبدو كالبلهاء لنتأكد من أن الصورة في وضعها الصحيح، وأن الإطار أيضاً في وضعه الصحيح على الجدار وأنه ليس مائلا؟! وما الضرر الذي قد يحدث لو أن هناك بعض الميل في الصورة؟! وما الذي يتشوه؟! الصورة، أم الإطار، أم أعيننا؟! أو أن المسألة لا تعدو عن كونها اعتيادا على رؤية الأشياء بشكل ما؟!

لماذا تربكنا الخطوط «المنحرفه» عن الاستقامة؟! ولماذا نسارع الى تصحيح مسارها؟! ولماذا ينتابنا إحساس مخيف بأن هناك ثمة خطأ في الطبيعة لابد من إصلاحه؟!

لدينا هوس عظيم بأن تبدو الخطوط مستقيمة دائما، لأننا نؤمن أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين! يا سلام، وإن يكن ذلك كذلك، ما الرؤية الجمالية في هذا؟! ومن قال إننا نحبذ أن تكون المسافة قصيرة دائما؟! العبرة ليست في أن تكون المسافات قصيرة أو طويلة، بل أن تكون ممتعة وجميلة وثرية بالمعاني.

ولماذا الحرص المبالغ فيه في أن تكون الأشياء داخل إطارها الصحيح، وطبعا الإطار الصحيح بالنسبة لنا هو ذلك الإطار الموضوع سلفا في أذهاننا، ذلك الإطار الذي ربما لم نختبر إطارا سواه، وبالمناسبة أعتقد أن ليس هناك جملة أغبى من: «لنضع الأمور في إطارها»! فلماذا يجب أن نضعها في إطارها؟! وكيف يساعدنا ذلك على فهمها؟! الحقيقة أنني أعتقد أننا لكي نفهم «الأمور» جيدا لابد أن نضعها خارج إطارها، وأن ننظر لها من زوايا مختلفة.

نحن نتعامل مع الحب غالبا بهذه الحدة والصرامة.

الحب بالنسبة لنا صورة داخل «برواز»، تكون جميلة فقط عندما لا يصيبها أي انحراف إلى أعلى أو إلى أسفل، ولا يجب أن يخرج أي جزء منها خارج هذا «البرواز» لأن ذلك يشوهها، وتبدو بشعة، كما أن البرواز لابد أن يكون مستويا على صدر الجدار، والجدار مستويا داخل الغرفة وهكذا... سلسلة لا تنتهي من الخطوط المستقيمة و»البراويز» البليدة، ننمّط بها حبنا ونفقده متعة التمرد، والاختلاف، ليصبح حب كل واحد منا شبيها بحب الآخرين.

الحب ليس خطوطا مستقيمة، وليس أشكالا مؤطرة، إنه نسيج متشابك ومعقد، عندما تمسك بطرف خيط منه قد تصاب بالجنون قبل أن تعثر على آخره، حب أي فرد منا له من الخصوصية والحميمية لدرجة انه المرآة التي لا تعكس صورةً سوى صورة الفرد نفسه، ملامحه هو، وخارطته النفسية هو، ومزاجه، وخطوط كفه، فلا بأس إن رأى أن هذه الصورة «الحب» ستكون أجمل لو تمردت على إطارها، أو انها انحرفت قليلا أو كثيرا جهة اليمين أو اليسار، أو أنها فرّت تماما من إطارها وأصبحت حرة كفراشة وُلدت للتو.

صدقوني ليس ضروريا أبدا أن نضع الحب في إطاره «الصحيح»، لأنه أصلا لا إطار له.

back to top