تركيا... والمستجدات الخطيرة!
![صالح القلاب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1501783180355436200/1501783193000/1280x960.jpg)
لقد ثبت أنَّ كل توجهات مصطفى كمال (أتاتورك)، الذي لا شك أنَّه قائد فذٌّ استطاع الحفاظ على باقي ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية، وكل توجهات الذين جاءوا بعده وساروا على الطريق الذي اختطه للدولة التركية الجديدة لم تغير في حقائق التاريخ شيئاً... وحقائق التاريخ المقصودة هي أنَّ هذه الدولة دولة إسلامية، وهي جزءٌ من هذا الشرق حضارةً وديناً وعادات وتقاليد، وأنه من غير الممكن، على الإطلاق، أن يتخلى شعبها عن الإسلام ويبقى يتمسك بـ"علمانية" أرادها البعض نقيضاً لهذا الدين الحنيف وبديلاً عنه. لقد كان هذا خطأً فادحاً بالفعل، والدليل هو ما رأيناه وما نراه الآن من نهوض إسلامي هائل في تركيا، حيث جاء حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان ليُعَقْلن هذا النهوض وليبعده عن موجة التطرف التي باتت تضرب، ليس هذه المنطقة وحدها، بل العالم بأسره، وليرفع، أي أردوغان، شعار: "إنني رئيس وزراء غير علماني لدولة علمانية... وإنَّ العلمانية التي نعنيها هي حماية معتقدات المواطنين الأتراك، وأيضاً حماية حقهم في ممارسة هذه المعتقدات".لكن المشكلة أنَّ رجب طيب أردوغان، الذي كان من المنتظر ألا يتطلع "حزبياً" خارج حدود تركيا وأن يكون تركيزه على إنجاح هذه التجربة العظيمة اقتصادياً بالدرجة الأولى ثم سياسياً واجتماعياً وثقافياً، قد انساق مع أحلام جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها العالمي لإحياء الخلافة العثمانية ولكن بـ"سلاطين" عصريين، ولذلك فإنه قد اتخذ هذا الموقف المتشدد غير المبرر إطلاقاً تجاه الحركة التصحيحية التي قامت بها القوات المسلحة المصرية في الثلاثين من يونيو الماضي استجابة لغالبية الشعب المصري.والمؤكد أن رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى أنه باتخاذ هذا الموقف الذي اتخذه تجاه المتغيرات المستجدة في مصر وتغليب ارتباطاته الحزبية (الإخوانية) على المصالح العليا للدولة التركية، قد خسر معظم شعبيته السابقة في هذه المنطقة، وخسر أيضاً جزءاً من هذه الشعبية في تركيا نفسها، والدليل أنه بات يتصرف، إنْ داخلياً وإنْ إقليمياً، بعصبية مفرطة، وهذا لم يكن منتظراً ولا متوقعاً من رجل دولة سطع نجمه بسرعة، وأصبحت تجربته مثالاً أثار الإعجاب في هذه المنطقة وفي العالم كله.لكن، مع هذا، فإنه لا يمكن "القَطْع" بأنَّ هذه التجربة الواعدة التي جعلت تركيا محط أنظار أبناء هذه المنطقة والعالم الإسلامي كله قد اقتربت من الفشل، إذْ إنه لا تزال هناك إمكانية لتدارك الأمور وإعادة الحسابات على أسس واقعية صحيحة بعيدة عن تأثيرات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وإذ إنه مازالت هناك إمكانية للفوز بالانتخابات المقبلة، التي لا يجوز، وقد حصل كل هذا الذي حصل، أنْ يكون رجب طيب أردوغان مرشحها عن حزب العدالة والتنمية لرئاسة الجمهورية، وبخاصة أن الواقع التركي لا يسمح بلعبة "التناوب" الروسية المثيرة للضحك، والتي غدت مكشوفة ومعروفة!