ما قل ودل: مجلس الأمة انتصف من نفسه للمحكمة الدستورية
تعديل قانون المحكمة الدستورية
قدمت أربعة اقتراحات بقوانين بتعديل قانون المحكمة الدستورية، من خمسة عشر عضواً، أحد الاقتراحات قدمه رئيس مجلس الأمة وآخرون، وقد توجت هذه الاقتراحات بمشروع قانون قدمته اللجنة التشريعية إلى مجلس الأمة لإقراره، يقضى بإضافة مادة جديدة إلى هذا القانون، تتيح لكل شخص طبيعي أو اعتباري الطعن أمام المحكمة الدستورية، بدعوى أصلية، في أي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة، إذا قامت لدى الطاعن شبهات جدية بمخالفته لأحكام الدستور.وهكذا أصبح من حق كل شخص هذا الطعن بدعوى أصلية مباشرة أمام المحكمة الدستورية، بعد أن كان ولا يزال الطعن متاحاً لكل شخص بطريق الدفع أمام أي محكمة، بمناسبة نظر منازعة قضائية، يكون هذا الشخص أحد أطرافها، فتحيله المحكمة إلى المحكمة الدستورية إذا رأت جديته، فضلاً عما هو متاح في القانون، لأي محكمة، من تلقاء نفسها، إحالة أي قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة إلى المحكمة الدستورية، إذا رأت أن الفصل في الدعوى المطروحة أمامها، يتوقف على الفصل في دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة.المجلس يدخل موسوعة غينتسوقد فاز هذا التعديل بموافقة 31 عضواً من أعضاء مجلس الأمة ورفض عضو واحد، وامتناع الحكومة عن التصويت، بسبب التحفظات التي أبداها المجلس الأعلى للقضاء على هذا التعديل.ولعل مجلس الأمة بهذا التصويت على المشروع يدخل موسوعة غينتس لأنه انفرد دون سائر برلمانات العالم بأنه انتصف من نفسه للشرعية الدستورية وللمحكمة الدستورية في المعادلة الصعبة في التوفيق بين مبدأ سيادة الدستور، الذي تصونه المحكمة الدستورية، ومبدأ سيادة الأمة من خلال ممثليها في مجلس الأمة فيما يصدرونه من تشريعات.فالرقابة القضائية على دستورية القوانين هي رقابة هدفها حماية الشرعية الدستورية، من افتئات أي أغلبية برلمانية في أي برلمان في العالم على هذه الشرعية، ومن هنا تقاوم أغلب البرلمانات هذه الرقابة وأي توسع فيها. الصراع بين البرلمانات والمحاكم الدستوريةوكانت هذه المعادلة هي التي فجرت صراعا في مصر في أعقاب الأحكام العديدة التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية العديد من القوانين، منها الأحكام التي تعرضت بقضائها لشرعية وجود البرلمان ذاته الذي جرت الانتخابات لاختيار أعضائه، عندما قضت المحكمة بعدم دستورية القانون، الذي تمت الانتخابات في ظله، مما أدى إلى حل مجلس الشعب وتعديل أحكام قانون الانتخاب بقانون جديد قضت المحكمة مرة أخرى بعدم دستوريته، وهو ما أثار جدلاً كبيراً حول وجوب حل مجلس الشعب تنفيذاً لهذا الحكم، وانتصر الشعب لقضاء المحكمة الدستورية في استفتاء شعبي جرى في سبتمبر سنة 1990 وافق فيه الشعب على حل المجلس تنفيذاً لحكم المحكمة.ثم كان هذا السيل المنهمر من الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية في تحقيق مبدأ المساواة وحماية الحرية الشخصية وصيانة حق الملكية الخاصة وتوفير الحماية لحق التقاضي وحق المتهمين في محاكمة عادلة ومنصفة، ومهدرة لكل القوانين التي تعارض هذه المبادئ أو تصطدم بهذه الحقوق أو بغيرها مما كفله الدستور، والأحكام التي أصدرتها، وصانت بها مبادئ الديمقراطية والحرية، فألغت قانون العزل السياسي الذي أصدره الرئيس الراحل السادات في بداية حكمه، وألغت النص القاضي بحظر قيام أحزاب سياسية تعارض اتفاقية كامب ديفيد.رصاصة الرحمة على «الدستورية»وهو ما أدى إلى اتجاه بعض النواب في مجلس الشعب في مصر إلى تقديم اقتراح بقانون بتعديل رقابة المحكمة الدستورية لكي تصبح رقابة سابقة على مشروع القانون قبل إقراره من مجلس الشعب، وأن يكون رأيها استشارياً.ثم فوجئ الجميع، بعد فض دور انعقاد مجلس الشعب بصدور القرار الجمهوري بقانون رقم 168 لسنة 1998 (مرسوم بقانون)، الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على المحكمة والتي أصابتها في مقتل، سلب ولايتها في ترتيب الأثر الكاشف لأحكامها بالنسبة إلى القوانين الضريبية التي تقضي بعدم دستوريتها، فأصبح لا يفيد من أحكامها بعدم دستورية هذه القوانين عن الفترة السابقة على صدور الحكم إلا أطراف الخصومة في الدعوى الدستورية، وإلى أن أصبح الأصل في باقي أحكامها صدورها بأثر مباشر ما لم تقرر المحكمة لنفاذها التاريخ الذي تحدده.وللحدث بقية إن كان في العمر بقية.