حتى زمن قريب كان ثمة من يرى في الشارع المصري أن {طبيب الأطفال} مواطن فشل في استكمال دراسة الطب فتوقف عند مرحلة الأطفال، وعلى النسق نفسه يتخيل بعض السينمائيين أن {فيلم الأطفال} أو {الفيلم العائلي} هو مرحلة أدنى من الفيلم الروائي الطويل، ومن ثم فهو لا يحتاج إلى اتقان ودقة واهتمام بالتفاصيل بل يقتضي قدراً كبيراً من {التهريج} و«الاستخفاف} و«السماجة} إذا لزم الأمر!

Ad

فيلم «جيران السعد» أحد الأعمال التي يُفترض أنها تُخاطب الأطفال، وتُرضي غرور الأسرة، لكن كاتبه أحمد عيسى أبى أن يبذل الجهد الذي يؤهله لصنع الفيلم المُتقن، وكأن الأقدار لم تقده يوماً إلى مشاهدة أفلام عالمية من نوعية: Home Alone (1990)، الذي عُرض تجارياً تحت اسم {وحدى في المنزل} و}Baby’s Day Out} 1994))، الذي عُرض تحت اسم {مواقف وطرائف طفل}. فالكاتب، الذي شارك عمر طاهر في كتابة سيناريو فيلم {عمليات خاصة} (2007) وحواره ثم قدم مستقلاً ثاني أفلامه {كاريوكي} (2008) اختار {الاستسهال} طريقاً له، وأفرط في افتعال المواقف التي فضحت قلة حيلته، وضيق أفقه، ومحدودية خياله؛ فالبداية المبشرة المتمثلة في الرسم الدقيق لشخصية البطل {سعد السعد} (سامح حسين) المتردد، الذي قادته قلة ثقته في نفسه ونرجسيته، إلى الاحتماء بصوره الشخصية التي وضعها في كل مكان، والتعامل مع موظفي الشركة التي ورثها عن أبيه بقسوة وغلظة ودكتاتورية، تنحرف وتتجه إلى النقيض، عقب زواجه من {ميريت} (ميرنا المهندس) وانتقال عائلة مدرب كرة السلة (سليمان عيد) وزوجته (بدرية طلبة) وأولادهما الخمسة إلى الإقامة في الفيللا المجاورة لهما؛ فالبطل يُعلن الحرب على الأطفال بحجة أنه لم يعش طفولته، في حين أن العكس هو الصحيح، ثم تتجه المواقف إلى المبالغة، والابتذال،بعد أن تتأزم العروس الشابة بسبب عجزها عن استكمال خلوتها الجنسية مع زوجها، الذي تفرغ لمطاردة الأولاد، والكيد لهم!

من مشهد إلى آخر تغيب الطرافة والحيل الطازجة عن المواقف الدرامية، وتطغى البلادة، والخيال الكسيح، و}الإفيهات} السخيفة المستهلكة، كالتوظيف المتكرر للعبارة القديمة {أنا سعد الدالي... انت مين؟}، والاستعانة بالفرح كمبرر لوجود المطرب الشعبي سعد الصغير، والراقصة البدينة المقززة التي نعرف في ما بعد أنها الخادمة المفضلة للعروس. وسرعان ما تختفي الشركة، بعمالها وموظفيها المزعجين، بحجة أن البطل في شهر العسل، وتُصبح الدراما سجينة {الكومباوند}؛ حيث يعيش البطل وزوجته و}جيران السعد}، وبينما كانت الفرصة مهيأة لتقويم تجربة المجتمعات المنعزلة {الكومباوند}، والأغنياء الجدد الذين وصلوا إليها وأفسدوها، يتسبب فقر الخيال والسيناريو الغارق في المبالغات، في تقييد حرية المخرج تامر بسيوني الذي أظهر سابقاً قدرة فنية عالية، وبلغ درجة كبيرة في ما يتعلق بتوظيف عناصر الصورة والإضاءة، في فيلم {خطة جيمي} ومن قبله فيلم {يا أنا يا هوه}. فباستثناء توظيف {الغرافيك}، والاستثمار الجيد لانفجار محول الكهرباء، واللعب على وتر {حرب المياه الملونة} ونجاحه في إلقاء ظلال لونية  مبهرة على عدد من {الكادرات}، ارتمى {بسيوني} في براثن سيناريو ركيك، وإنتاج شحيح، وضاعت محاولاته اليائسة لإنقاذ التجربة من الفشل؛ فالزوجة التي تحاكي نانسي عجرم لتستثير رجلها ليست سوى حيلة قديمة، وغاب الهارموني عن الموسيقى التي صاغها اثنان هما: شريف الوسيمي وشادي محسن، والاستعانة بالغناء الشعبي (فيفتي والسادات وعمرو حاحا) قد يكون مبرراً في الحفلة التي أقامها {ثري زمن الفساد}، بمناسبة امتلاك فيللا في {الكومباوند}، لكن العودة للمطربين أنفسهم داخل الفيللا بدا مُقحماً ومباغتاً، بل هو أغرب من الخيال، كونهم ظهروا فجأة كالأشباح والعفاريت!

في فيلم {جيران السعد} قالت زوجة البطل، وهي تُحذره من مواصلة التصعيد ضد الأطفال: {بدل ما تحاربهم افهمهم... وبدل ما تفرض سطوتك عليهم تعاون معاهم}. وفي هذه الجملة  السحرية يكمن مفتاح الفيلم؛ إذ تكشف عمق الهوة بين الأجيال، وأيضاً الصدام بين الآباء والأبناء، وتؤكد على أهمية الصفح والمغفرة. لكن أحداً لم يهتم بالتركيز على فحوى الرسالة، ومن ثم ضلت الطريق إلى المتلقي، في ظل اهتمام الكاتب بتفاصيل تافهة، وعجزه عن تطوير فكرته، وحالة  {التوهان} التي أصابت المخرج وأفقدته التركيز. كذلك القدرة على إحكام قبضته على عناصره الفنية، على رأسها طاقم التمثيل، الذي كان في أسوأ حالاته؛ فالممثل سامح حسين منفعل ومفتعل وبعيد عن الشخصية وميرنا المهندس استنفدت جميع الفرص التي تجعل منها ممثلة، والأطفال ضاعت براءتهم، وافتقدوا خفة ظلهم، وتحولوا إلى شياطين من دون مبرر درامي، وجاءت النهاية السعيدة التي تبادل فيها كل طرف الاعتذار مع الآخر، وعادت الزوجة إلى أحضان زوجها مطلع السنة الجديدة، بمثابة مقلب كبير اعتدناه كثيراً في أفلام {السبكية}!