فجر يوم جديد: {الميدان}!

نشر في 03-02-2014
آخر تحديث 03-02-2014 | 00:01
 مجدي الطيب أعاد ترشيح الفيلم الوثائقي «الميدان» للمخرجة جيهان نجيم، ضمن القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم وثائقي، إلى الأذهان قضية كنا نظن أنها حسمت بشكل نهائي تتعلق بجنسية الفيلم، ويوجزها السؤال القديم الجديد: «هل يحمل الفيلم جنسية مخرجه أم جنسية الدولة التي أنتجته؟».

في يقين «المشتاقين» لأي فرحة يتيمة، كذلك بعض من أسعدهم خبر ترشيح «الميدان» للفوز بهذه الجائزة العالمية المهمة، في خطوة غير مسبوقة، أن الفيلم مصري الجنسية، وحجتهم في هذا أن مخرجته تتحدر من أصول مصرية، وكأنه سبب كاف للتمسح بالجائزة وبمخرجته، بينما الحقيقة التي يعلمها الكافة أن جيهان نجيم ولدت في واشنطن في أميركا عام 1974، ولا تتعدى علاقتها بمصر حدود القاهرة التي نشأت فيها قبل أن تنتقل إلى الكويت ثم بوسطن عام 1990، وتدرس في أكاديمية ميلتون عام 1992، وتتخرج في جامعة هارفارد عام 1996.

يمكن القول إن نجيم مزدوجة الجنسية؛ فهي مصرية الأصل ولكنها أميركية الجنسية، وجاء الإعلان عن حصولها (في 26 يناير الفائت) على جائزة رابطة المخرجين الأميركية لأفضل مخرجة فيلم وثائقي عن فيلم «الميدان» ليقترب بها كثيراً من الفوز بجائزة الأوسكار؛ حيث تُعد جوائز رابطة المخرجين مؤشراً مهماً للفوز بجوائز الأوسكار عن الفئة نفسها. لكن أحداً لم يقل لنا كيف؟ ولماذا؟ يحمل «الميدان» الجنسية المصرية وليست الأميركية؟

في «الميدان» تبدو نجيم شديدة الإيمان بمقولة «أوقد شمعة خيرٌ لك من أن تلعن الظلام»؛ ففي اللقطة الأولى يعم الظلام العاصمة المصرية فيسارع أحد الشباب بإيقاد شمعة، فيما يبدأ «أحمد» ابن الطبقة المعدومة والأسرة الفقيرة التي تسكن العشوائيات في الحديث عن دوره إبان ثورة 25 يناير، التي كانت بمثابة الشمعة التي أحالت الظلمة الحالكة إلى نهار وضاح. لكن «أحمد حسن» لم يكن وحده الذي انتفض يحارب الظلم والفساد والفقر والجهل والمرض في الميدان، بل كان هناك «مجدي عاشور» ممثل جماعة الأخوان، و»خالد عبد الله» ابن العائلة اليسارية، و»عايدة» ابنة المخرج الراحل رضوان الكاشف والناشطة السياسية عزة كامل، ومعهم «رامي عصام» مطرب الثورة، بالإضافة إلى طوفان من البشر الذين حلموا بالتغيير وأتوا ليطالبوا بـ»العيش والحرية والكرامة الإنسانية»، كما حلموا بمصر الأقرب إلى ميدان التحرير!

المشاهد نفسها، والبيانات والمطالب والهتافات، التي لا تمثل إضافة ولا تقدم جديداً بالنسبة إلى المتابع المصري الذي شاهد مئات الأفلام التسجيلية التي على شاكلة «الميدان»، الذي تميز بصورة عالية الجودة وإيقاع لاهث وكادرات جمالية خلابة. لكن نجيم وقعت في غرام  الشاب «أحمد» الذي تصدر مشاهد «الميدان»، وكأنه «الفارس المغوار» أو «الثورجي» الذي يفهم ويعي ويقود ويُنظر ويتفلسف أحياناً، رغم خلفيته الثقافية المحدودة التي لا تؤهله مطلقاً للعب هذا الدور «الاستراتيجي»!

الكارثة، بل الفضيحة المدوية، التي ارتكبتها المخرجة جيهان نجيم في فيلمها المصنف بأنه تسجيلي ووثائقي، أنها لم تدخل التجربة، وهي مجردة من الهوى والغرض والمرض، لكنها دخلتها مُحملة بأفكارها المناهضة للجيش والرافضة لاحتمالات عودته إلى الحكم، والمتعاطفة مع «الثورة» حتى لو انحرفت عن مسارها وانقلبت إلى «فوضى»، وهو النهج الذي اتبعته أيضاً في المشاهد التي لم تكتف خلالها برصد سيطرة جماعات التيار المتأسلم على «الميدان»، والتغيير الذي طرأ على بنيته وتركيبته، وإنما أظهرت انحيازاً سافراً إلى الجماعة، مهما زعمت على لسان أحد «الأخوان» بأنه غير راض عن أداء قادته؛ فالشخص نفسه أعلن امتثاله وخضوعه واقتناعه وإيمانه بمبدأ «السمع والطاعة»!

ليس مستغرباً، في هكذا حال، أن تلجأ المخرجة المصرية الأميركية إلى تصوير مشاهد جديدة من الفيلم، بحجة تغيير نهاية الفيلم، عقب الإطاحة بالرئيس المحسوب على جماعة «الأخوان». لكنها، للمرة الثانية، فقدت موضوعيتها، وبدلاً من أن تنزل على إرادة الشعب المصري الذي صُدم بأداء «الرئيس المعزول»، وقال كلمته عندما أصر على عزله، بدت منزعجة بدرجة كبيرة، وكأنها ترى أنه ما زال «رئيس البلاد الشرعي»!

غير أن شيئاً من هذا لا ينبغي أن يكون سبباً في القول إن اختيار الفيلم في القائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم وثائقي جاء من منطلق أنه توافق مع السياسات الأميركية، لأنها قناعات المخرجة التي لا يمكن التشكيك في نواياها. لكننا لا نستطيع، في الوقت نفسه، أن نغض الطرف عن رؤيتها الأحادية وانحيازها المُطلق إلى طرف على حساب الآخر، وهي الخطيئة التي لا يمكن أن تغفرها لمخرجة «الميدان»، مثلما لا تستطيع أن تبرر إعجابها المفرط بشاب «صعلوك» جعلت منه «غيفارا» من دون سبب! 

back to top