تسخير انتصارات الصين التنافسية

نشر في 11-06-2014
آخر تحديث 11-06-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت كشف مجلس الدولة الصيني مؤخراً عن خطة شاملة لإصلاح سوق رأس المال حتى عام 2020، والتي حدد فيها هدفين رئيسين: "دعم عمليات السوق المفتوحة النزيهة المتكاملة، وحماية المستثمرين، خصوصاً حقوق صغار المستثمرين القانونية"، وكما تقر الخطة فإن تحقيق هذين الهدفين سوف يتطلب التزام صناع السياسات بإيجاد التوازن بين اقتصاد السوق وسلطة الدولة، وبين الإبداع والاستقرار، وبين حماية المستثمر والحَذَر الواجب من المشتري، وبين إغراءات الإصلاح السريع والحاجة إلى إعمال المذهب العملي. تُرى هل من الممكن أن يتحقق هذا؟

من منظور السياسة العامة، لا بد أن يتلخص الهدف في إيجاد التوازن بين المنافسة (التي تحفز الإبداع المعزز للنمو ولكنها من الممكن أيضاً أن تولِّد عدم الاستقرار) والتعاون (الذي يعزز التماسك الاجتماعي على المدى البعيد ولكنه من الممكن أن يؤدي أيضاً إلى الركود). وفي قيامهم بهذه المهمة، ينبغي لقادة الصين أن يضعوا في حسبانهم ثلاثة مستويات من المنافسة: المنافسة بين المؤسسات، والمنافسة بين القطاعات، والمنافسة بين مصالح المواطنين والشركات والدولة.

والواقع أن العمل على تبني إطار للمنافسة بين الشركات جار بالفعل، ففي عام 2008، استنت الحكومة قانون مكافحة الاحتكار بهدف منع الاتفاقات الضارة بالمنافسة والداعمة للاحتكار بين الشركات، والحد من إساءة استغلال الهيمنة على السوق، ومنع عمليات الاندماج والاستحواذ التي قد تقضي على المنافسة أو تحد منها بشكل غير مبرر.

ولكن إدارة المنافسة في سوق تضم ثلاثة لاعبين رئيسيين- الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة المحلية والأجنبية- مهمة معقدة. فشركات القطاع الخاص محبطة إزاء المزايا التي تتمتع بها الشركات المملوكة للدولة، في حين تشكو الشركات المملوكة لأجانب من كونها في وضع غير موات في مواجهة الشركات المحلية.

وإدارة المنافسة بين القطاعات أمر أشد تعقيدا، ففي قطاع الخدمات المصرفية على سبيل المثال، تتسم المنافسة بالشراسة الشديدة، وتُعَد الصين من الاقتصادات القليلة حيث انخفض التركيز (حصة أكبر خمس شركات في السوق) في السنوات الأخيرة، ولكن بعد مرور أكثر من عشر سنوات منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، لا تزال حصة البنوك الأجنبية في السوق الصينية ضئيلة عند مستوى 2%، وهو ما يعكس فشل الهيئات التنظيمية في الصين في خلق الفرصة المتكافئة للجميع.

وتزداد شدة هذا التحدي بفعل التقدم التكنولوجي الذي طرأ على المراجحة التنظيمية، ذلك أن بعض منصات التجارة الإلكترونية مثل علي بابا لم تخترق مجال السداد للبنوك فحسب؛ بل بدأت أيضاً بتقديم منتجات إدارة الثروة، وكانت المراجحة التنظيمية سبباً في تغذية نشوء نظام الظل المصرفي، الذي ينافس المؤسسات المالية التقليدية بقوة على إدارة الثروة والإقراض.

تنشأ المراجحة التنظيمية من المنافسة بين هيئات الحكومة المركزية على سلطة التنظيم، وهي المنافسة التي كثيراً ما تؤدي إلى تأخير إصلاحات السوق والتغيير المؤسسي، نظراً لعدم رغبة أي هيئة حكومية في تقبل سلطة الهيئات الأخرى. على سبيل المثال، كان التنظيم المتداخل من خمس هيئات ووزارات على الأقل سبباً في تأخير تطوير سوق السندات في الصين إلى حد كبير.

وأفضل مثال للمنافسة الصحية في الصين هو ما يجري بين المدن، فالصين لديها 287 مدينة على مستوى محافظة، ويبلغ متوسط سكان كل من هذه المدن 3.7 ملايين نسمة، في حين يبلغ متوسط نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي 5800 دولار أميركي، وقد تجاوزت ست عشرة مدينة بالفعل العتبة التي حددها البنك الدولي لاستحقاق صفة الدخل المرتفع حيث يتجاوز نصيب الفرد السنوي في الدخل 12616 دولاراً، وأربع مدن- بكين وشنغهاي وغوانغتشو وشنتشن- وصلت إلى العالمية، وتحمل هذه المدن المفتاح إلى تمكين الصين ككل من تجنب فخ الدخل المتوسط.

وهذا ليس بالأمر المستغرب، ذلك أن سر نجاح الصين الاقتصادي منذ عام 1979 كان في تخفيف قواعد التخطيط المركزي بهدف تمكين المدن والأسواق والشركات الخاصة من التجريب والإبداع والنمو، وبسبب صعوبة تحديد أي من القواعد القديمة كانت في حاجة إلى الإصلاح أو الإلغاء، فقد اعتمدت العملية على تفويض صلاحيات الحكومة المركزية للحكومات المحلية، التي كانت أفضل تجهيزاً واستعداداً للتجريب مع قواعد السوق لتعزيز النمو الاقتصادي.

في الوقت ذاته، ومن أجل الحفاظ على استقرار النظام وسلامته، كانت هذه الجهود مصحوبة بمركزية السلطة المالية وخلق سلطات إشرافية، وكان هذا التوازن بين المنافسة الأفقية والتنظيم الرأسي بالغ الأهمية لتشجيع النمو والدينامية في المدن الصينية.

ولكن التوازن كان بعيداً تماماً عن المثالية، والواقع أن المنافسة بين المدن- والتي اشتدت بفعل الدور الضخم الذي يلعبه نمو الناتج المحلي الإجمالي على مستوى البلديات في تحديد المسارات المهنية للمسؤولين المحليين- تجاوزت كل الحدود، حتى إنها تسببت في خلق اختلالات مزعزعة للاستقرار. صحيح أن الاستقلال المحلي عمل على تيسير الأنشطة الجريئة المعززة للإنتاجية، مثل استخدام الأراضي في المناطق الريفية للصناعة والتجارة وإنشاء الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية الأساسية الكبرى؛ وبالتالي تمكنت الشركات الخاصة من الاستحواذ على حصة في السوق من الشركات المملوكة للدولة في قطاعات الخدمات والتصنيع، ولكن الجهود المتسرعة التي بذلتها المدن لمحاكاة نماذج النمو بين بعضها بعضا أدت أيضاً إلى تلوث بيئي غامر، وديون متصاعدة، وبنية أساسية زائدة على الحاجة، واتساع فجوة التفاوت بين الناس، واستنزاف الأراضي الزراعية، وفساد مستشر، بما في ذلك الانتهاكات الإدارية التي تعدت على حقوق الملكية للمواطنين.

الحق أن النمو الذي تغذى على المنافسة كان المحرك لظهور الصين بوصفها دولة صاحبة ثاني أضخم اقتصاد في العالم، ولكن هذا النمو غير قابل للاستمرار، وتتلخص الضرورة الملحة الآن في إعادة التوازن إلى المنافسة لمعالجة العوامل الخارجية السلبية المترتبة على أنشطة الدولة والسوق التي تضر بمصالح المواطنين.

وكان إلغاء الحكومة المركزية مؤخراً لصلاحيات قضائية معينة كانت تتمتع بها الحكومات المحلية، وبالتالي تعزيز حماية حقوق الملكية، بمثابة خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ولكن هذا لا يكفي، ذلك أن تمكين السوق من دفع عملية تخصيص الموارد، وفي الوقت ذاته ضمان تكافؤ الفرص للمشاركين، سوف يتطلب إنشاء مبادئ واضحة للمنافسة، والتي ربما يمكن دعمها من خلال إنشاء "مفوضية منافسة" قوية. إن المنافسة لا تنجح في تحقيق الغرض منها في غياب قواعد واضحة وعادلة، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه زعماء الصين اليوم، وإذا نجحوا فإن اكتساب الصين صفة الدولة ذات الدخل المرتفع ليس إلا مسألة وقت.

أندرو شنغ & شياو غنغ

* شنغ زميل متميز لدى معهد فونغ العالمي، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة البيئي لشؤون التمويل المستدام، وشياو مدير البحوث لدى معهد فونغ العالمي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top