... ها هو «جنيف2»
المفترض أن ينعقد اليوم الأربعاء مؤتمر "جنيف2"، الذي من المفترض أن يلتزم المشاركون به، ومن بينهم الروس ووفد نظام بشار الأسد، بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، الذي صوتت عليه روسيا والصين إلى جانب باقي الدول دائمة العضوية؛ بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، والذي نص حرفياً على التأييد التام لبيان "جنيف1" الذي صدر في يونيو الماضي، وحدد عدداً من الخطوات الرئيسية لحل الأزمة السورية من بينها: "إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة... تمهيداً لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية". وهذا يعني أنه يجب اعتباراً من هذا اليوم ألا تكون لهذا الرئيس السوري أي علاقة بحاضر سورية ولا بمستقبلها، وأن عليه الابتعاد والتنحي على الفور.إن هذا هو المفترض، أما الواقع فهو أن روسيا الاتحادية، التي ثبت أن هذه الحرب هي حربها، وأنها المستفيد الوحيد من تدمير هذا البلد العربي وتشريد الملايين من أبنائه وذبح أكثر من مئتي ألف منهم، قد أظهرت منذ البدايات أن لديها "موالاً" آخر، وأنها تريد حرف هذا المؤتمر، "جنيف2"، عن مساره وتحويله إلى محاربة "الإرهاب" الذي تعرف موسكو معرفة أكيدة، لأنها اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة، أنه صناعة مخابرات بشار الأسد ومخابرات إيران، وأن "داعش" هي في حقيقة الأمر مجموعة من مغاوير الجيش النظامي السوري، ومغاوير فيلق القدس الذي أصبحت غرفة عملياته في دمشق، وبات من خلال الميليشيات التابعة له يخوض هذه الحرب المدمرة القذرة ضد الشعب السوري.
بل وأكثر من هذا كله فإن لافروف في مؤتمره الصحافي المشترك الأخير، الذي كان دور وليد المعلم فيه يقتصر على مجرد هز رأسه، والحديث المقتضب عن خطط مبهمة لـ"فك الاشتباك" في حلب، قد أضاف جديداً في منتهى الخطورة، وهو أن مهمة "جنيف2" بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب هي حماية الأقليات الطائفية والمذهبية المهددة بوجودها، وهذا من المفترض أنه ذكَّر كل من سَمِعَ ورأى بتلك الحقبة البعيدة عندما تولت روسيا القيصرية في نهايات الإمبراطورية العثمانية حين أصبحت "رجلاً مريضاً" حماية المسيحيين الأرثوذوكس، وتولَّت فرنسا حماية الموارنة الكاثوليك، وتولت بريطانيا (العظمى) حماية الدروز واليهود. ألا يعني هذا أن لافروف بهذا الطرح الغريب يريد تمزيق سورية وتحويلها إلى دويلات ومحميات طائفية وعرقية، وأنه بموجب هذا التمزيق لن يكون نصيب روسيا الاتحادية المسيحيين الأرثوذوكس فحسب، بل الطائفة العلوية أيضاً، والتي ازدادت أهميتها بالنسبة إلى الروس بعد اكتشاف احتياطيات الغاز والنفط الهائلة على الشواطئ المتوسطية السورية، إضافة إلى قاعدة طرطوس التي هي الآن أهم قاعدة بحرية لروسيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط وفي المنطقة كلها.لقد قلنا مراراً وقال غيرنا إنه لا يجوز عقد هذا المؤتمر ولا غيره ما لم يكن هناك بعض التقارب في موازين القوى العسكرية بين نظام بشار الأسد والمعارضة، وما لم تتخل الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية كلها عن مواقفها المائعة السابقة المثيرة للشبهات، وما لم يوحد العرب، الذين يأتي على رأس همومهم الهم السوري، والمعارضون السوريون، وإن بالقوة، وما لم يقدموا ولو القليل مما يقدمه الروس والإيرانيون لهذا النظام السوري وجيشه والميليشيات الطائفية التي أصبحت جزءاً من هذا الجيش وطليعة له.لكن بما أن الكثير من الأمور الإجرائية قد تمت تسويتها وبات المفترض أن ينعقد في هذا اليوم الفاصل مؤتمر "جنيف2" بمشاركة الائتلاف الوطني مدعوماً بالجيش الحر، فإنه لابد من التمسك بالمطالب المحقة لهؤلاء وعلى رأسها الإصرار على ألا يكون للأسد وزمرته الدموية الحاكمة أي دور لا في حاضر سورية ولا في مستقبلها.