سلاح مظاهرات الجامعة في يد «الإخوان»

نشر في 21-12-2013
آخر تحديث 21-12-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي ما تشهده مصر الآن من مظاهرات مخططة يشارك فيها بعض الطلاب هو جزء من مخطط إجهاد الدولة لإفسادها وإسقاطها، هذا الجزء يأتي بعد أن فشلت جماعة "الإخوان المسلمين" في إشاعة الفوضى في الشارع وتراجع قدرتها على الحشد واستمرار نزيف الشعبية بعد حالة الفوضى التي أرادوا أن ينشروها والدماء التي سالت وتسيل بسبب العمليات الإرهابية أو الصدام مع المواطنين والأمن. الجامعات تتميز بحصانة وحرمة معينة في التاريخ السياسي المصري وفي العقلية المصرية، وأيضاً تتمتع الجامعات بما يطلق عليه الحرم الجامعي، هذا الحرم اكتسب تاريخياً حصانة حتى لو كان مظهره شديد الفقر أحياناً، هذه "الحرمانية" لم تمنع من قبل التدخلات السياسية والأمنية، ولكن في كل المرات كان التدخل سبباً في حرج لمن يقوم به، وكان إجراء أخيراً تدفع ثمنه الإدارة المسؤولة إعلامياً ومجتمعياً، وفي الغالب كان يؤدي إلى توهج المعارضة الطلابية، عندما تكون معارضة طلابية بحق ومعبرة عن حركة طلابية حقيقية، ولهذا الجانب من القصة تفاصيل كثيرة يمكن التوقف عندها يوماً ما، ولكن اليوم أتوقف عند ما تشهده بعض الجامعات المصرية من مظاهرات وأطرح تساؤلين: هل يمكن اعتبار ما يحدث امتداداً طبيعياً للحركة الطلابية المصرية؟ بمعنى آخر هل هي حركة طلابية حقيقية معبرة عن التيار الغالب بين طلاب مصر؟ التساؤل الثاني: لماذا التركيز على جامعة الأزهر؟

تميزت الحركة الطلابية المصرية تاريخياً بأنها كانت تعبيراً متقدماً عن أهداف المجتمع الذي خرجت منه، استطاع في مرات متعددة أن يعبر عن تطلعاته السياسية والاجتماعية، وفي مرحلة النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني كان في طليعة المناضلين، حتى في الفترة الناصرية ظلت الحركة الوطنية إما في موقع المحاسب للنظام على أخطائه ودفعه إلى تصحيحها كما حدث في مظاهرات 1968، أو مطالب بإصلاحات سياسية، وهكذا استمر الحال في فترة السادات التي انقسم أداء الحركة الطلابية فيها إلى مرحلتين، الأولى مرحلة ما قبل حرب أكتوبر 1973 وما بعدها، إذ تركزت الحركة في مرحلتها الأولى على الدعوة إلى حرب إسرائيل ودفع النظام إلى اتخاذ القرار، بينما ركزت المرحلة الثانية على رفع الشعارات الإصلاحية اجتماعياً وسياسياً بعد تغيير توجه الدولة المصرية سياسياً واقتصادياً، مما تسبب في انعكاسات سلبية على بنية المجتمع انعكست داخل الجامعات وعلى الحركة الطلابية.

العنصر الجديد الذي دخل المعادلة في هذه المرحلة كان التيار الديني الذي بدأ يظهر بين جنبات الجامعة متمثلاً في أسر طلابية أطلق عليها جماعات الوعي الديني تحولت في ما بعد إلى الجماعة الإسلامية، وكانت نشأة وبداية هذه الجماعات بدعم وحصانة مباشرة من أجهزة الدولة السياسية والأمنية في ذلك الوقت لمواجهة المد اليساري والناصري في الجامعات، واعتقد المسؤولون وقتها أن السبيل الوحيد هو حصارهم بتيار ديني طلابي، لكنهم لم يعلموا أنهم بذلك أخرجوا عفريتاً من قمقمه ولن يستطيعوا إعادته، أما فترة مبارك فقد شهدت تراجعاً حاداً في حضور وتأثير الحركة الطلابية، وعن أسباب ذلك يمكن الحديث طويلاً، لكن ما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال هو أن هذا التراجع كان منطقياً مع سلوك الدولة في تلك المرحلة التي مارست فيها أسلوباً حاصرت به القوى المدنية في المجتمع واستهدفت تقزيمها وهو ما انعكس داخل الجامعة، خاصة مع ما ساد من توجه واضح للمسؤولين عن أنه لا سياسة في الجامعة، ولكنهم لم يفرقوا بين النشاط السياسي للجماعات والثقافة السياسية والمشاركة الإيجابية، كانت النتيجة في الجامعة جراء هذا الحصار كالنتيجة خارجها، إذ أدى حصار القوى المدنية وتفريغها من قياداتها وتقزيمها إلى حدوث حالة من الفراغ، وكانت القوة الوحيدة القادرة على ملئه هي القوى المحسوبة على الإسلام السياسي وساهم في هذا أيضاً سياسة النفاق لهذه القوى والتعامل بسياسة الاحتواء، أو ما اعتقده المسؤولون في ذلك الوقت بأنه لم يعد في الساحة سوى الدولة والإسلاميين، وكانت الجامعة منقسمة بين الإسلاميين واللامباليين.

 وبناء على ما سبق، فإن ما يحدث في الجامعة الآن هو استغلال للوقود الذي زرعته الحركات الإسلامية من تواجد داخل الجامعات وحالة الغياب النسبي للدولة عن الحضور المؤثر بين الطلاب بخدمات اجتماعية وتعليمية، إضافة إلى تغييب أي حضور للقوى السياسية المدنية داخل الجامعة، فكانت النتيجة أن من يمتلك صوتاً عالياً ومن يصلح لأن يكون عنصراً مؤثراً هم قلة من الطلاب المنتمين للإخوان وأتباعها من الجماعات في مواجهة أغلبية عظمى من الطلاب بات همها فقط الانتهاء من العام الدراسي، واستغلت هذه العناصر المنتمية للإخوان ما سبقت الإشارة إليه من حرمة الجامعة.

لماذا جامعة الأزهر؟ للإجابة هنا شقان، الجامعة باعتبارها جزءاً من مؤسسة الأزهر التي كانت هدفاً دائماً للإخوان لإسقاطه والسيطرة عليه، والشق الآخر هو البنية الاجتماعية للطلاب وإمكانيات الدولة المخصصة لهذه المؤسسة والجامعة، وسأتناول الشق الثاني اليوم وأعود إلى الأول في مقال مقبل.

معظم طلاب الأزهر يأتون من المدن والقرى المصرية ومن أبناء المصريين الذين يرون في الأزهر، كما رأى آباؤهم وأجدادهم، منارة لم يعرفوا غيرها للعلم، وبالتالي فإن معظم طلاب الأزهر من المنتمين إلى الطبقة الوسطى المصرية وما دونها، بعض هؤلاء الطلاب يأتون من خلفيات اجتماعية تعاني اقتصادياً، وهذا هو المدخل الذي دخلت منه "الإخوان" وغيرها من الجماعات في جذب هؤلاء الطلاب عن طريق تقديم كل أشكال الدعم المعيشي والتعليمي في الوقت الذي تعجز فيه إدارة الجامعة عن القيام بهذا الدور لمحدودية الميزانيات المخصصة لها، هذا المدخل مع الطبيعة المحافظة لمعظم طلاب الأزهر جعلا منه تربة مناسبة لكسب مؤيدين ومتعاطفين. هذه المجموعات مع هدف الانتقام من الأزهر المؤسسة التي ساهمت في إسقاط "الإخوان" تصلح سبباً لتفسير تركز تحركات "الإخوان" في جامعة الأزهر.

back to top