بعدما رفضت المملكة العربية السعودية المقعد غير الدائم في مجلس الأمن الدولي فإنه لا يجوز لأي دولة عربية، لا خليجية ولا غير خليجية، أن تفكر، حتى مجرد تفكير، في أن "تقتنص" الفرصة وتقدم نفسها بديلاً، فهذا سيُظهر أن العرب لا يربطهم رابط وأن كل واحد منهم، والمقصود هنا الدول، لا يتورع عن "أنْ يذرِّي على ذقن شقيقه"، ولا يتردد في أن يطعن هذا الشقيق بخنجر المنافسة غير المتكافئة وغير الشريفة في خاصرته.

Ad

حتى الآن لم نسمع إلا همساً خافتاً حول هذه المسألة، وهذا "الهمس" المريب يستند إلى حجة غير مقنعة وبائسة تقول: إنه لا يجوز ترك هذا المقعد إمَّا خاوياً وإمَّا لـ"غيرنا"، وحقيقة أنه من الأفضل أن يبقى هذا المقعد خالياً وخاوياً أو أن تحتله أيُّ دولة غير عربية، إنْ من داخل هذه المنطقة أو من خارجها، من أن يظهر العرب أمام العالم أنهم لا يترددون في أن يبيع بعضهم بعضاً من أجل منافسة رخيصة ومن أجْل موقع غير دائم!

لم ترفض المملكة العربية السعودية هذا الموقع من أجل قضية خاصة ولا من أجل تسويق نفسها عربياً ودولياً، بل رفضته من أجل القضايا العربية المُلحَّة، كقضية فلسطين التي بقي مجلس الأمن الدولي ستين عاماً وأكثر عاجزاً أمام الـ"فيتو" الأميركي عن أن ينصف الشعب الفلسطيني بقرار حاسم واحد، وكذلك رفضته من أجل القضية السورية التي باتت تزداد خطورة يوماً بعد يوم، حيث بقي هذا المجلس عاجزاً عن اتخاذ أي خطوة جدية لتصحيح المسار والحيلولة دون وصول هذه الدولة العربية الأساسية والرئيسية إلى التمزق والانهيار.

إنَّ ما أخذته المملكة العربية السعودية على مجلس الأمن ودفعها إلى هذا الموقف الشجاع والصادق هو أنه، أي هذا المجلس، غدا جثة هامدة وبات غير قادر على أن يفعل ما يجب أن يفعله، وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي استمرت معلقة بين السماء والأرض منذ عام 1948 حتى الآن، وبالتالي فإنها، أي السعودية، بادرت إلى ما بادرت إليه أولاً لإلقاء حجر في هذه البركة الراكدة وقَرْع جرس قول الحقيقة للعالم كله، وثانياً لرفْض أن تكون شاهد زور، لا يقدم ولا يؤخر، وثالثاً لرفض التلاعب بهذه الهيئة الدولية.

الآن بعد هذا الموقف الشجاع والصادق فإنَّ جهود الدول المعنية، وفي مقدمتها الدول العربية والدول الإسلامية ودول عدم الانحياز، يجب أن تنصب، بتنسيق حقيقي، على ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي، وتخليصه من استفراد الدول دائمة العضوية به، وتخليصه أيضاً من حق الـ"فيتو" الممنوح لخمس دولٍ كبرى فقط هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول التي اعتبرت، باستثناء الصين، منتصرة في الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما كانت المعادلات الكونية غير المعادلات القائمة الآن.

لقد بقيت الولايات المتحدة باستخدامها الجائر والمنحاز لحق الـ"فيتو" تحمي إسرائيل واعتداءاتها المتواصلة على الشعب الفلسطيني على مدى ستين عاماً وأكثر، وقد بقيت روسيا، من خلال حق الـ"فيتو" هذا نفسه، تُعطِّل المطلوب من مجلس الأمن الدولي لوضع حدٍّ لهذه المأساة المتفاقمة في سورية، التي باتت تهدد فعلاً وحدة هذه الدولة العربية التي أصبحت، بفعل الموقف الروسي ونتيجة له، ساحة صراعات إقليمية ودولية، وأصبحت "قاعدة" عسكرية إيرانية، ولهذا فقد اتخذت المملكة العربية السعودية هذا الموقف، لتؤكد أنه لا يجوز أن تبقى هذه الهيئة الدولية مختطفة على هذا النحو، وأنه لابد من وقفة جادة لإصلاح هذه الهيئة والتخلص من صيغة تحكُّم خمس دول بها فقط!