في كتاب {أغنية يناير} انحياز واضح إلى أغنية ثورة يوليو 52، ما تفسيرك؟

Ad

لم أتحيز إلى ثورة يوليو بل حاولت إنصافها، لأن يوليو صورة لكلمة ظهرت آثارها على الناس في القرى والغيطان والمصانع وفي ملامح البشر الذين عايشوها. رأيت ثورة عبدالناصر ورفاقه في قريتي وسط أهلي، رأيت تداعياتها على التركيبة الاجتماعية التي تغيرت وفي لغة أهل محافظتي في جنوب مصر، وهذا نفسه موجود في الأغنية التي عاصرتها وعبرت عنها بدليل بقاء هذه الأغاني حتى الآن، لدرجة أن ثوار 25 يناير لم يجدوا أغانيهم الخاصة، فيما ظهر خلالها واستفادوا بأغاني يوليو مثل {صورة} لصلاح جاهين وأغاني الشيخ أمام وشادية. حتى إن الأغنية الأشهر في ثورة 25 يناير {يا بلادي} مسروقة من لحن لبليغ حمدي في فيلم {لحظة العمر} وكلماتها منسوخة من إحدى أغاني يوليو وهي {فدائي} وهذا أمر طبيعي، فثورة 25 يناير لم تكن ثورة كاملة وآثارها لم تكن في صالح غالبية الناس، وحتى هذه اللحظة ثمة من يرى أنها جزء من مؤامرة كبرى تجتاح عالمنا العربي، ولو كانت نجحت ما كنا احتجنا إلى 30 يونيو. ولهذا من الظلم أن نقارن أصلا بين أغاني يوليو 52 وبين 25 يناير 2011، وأنا لم أفضل ذلك أصلاً في كتابي.

هل ترى أن الأغنية السياسية عادة ما يقل فيها الشعر ويزيد فيها الشعار السياسي؟

فعلاً، الأغنية السياسية كثيراً ما يغلب عليها الشعار السياسي، فأول أغنية لعبد الحليم حافظ شارك فيها بصوته فقط عام 1952 في فيلم {اللص الظريف} كانت عن الاتحاد والنظام والعمل، ذلك الشعار الذي رفعه محمد نجيب. وغالبية أغاني يوليو مثلاً كانت تفسيراً وتعبيراً عن أفكار عبد الناصر، لكن ثمة أغانٍ أعمق وأكثر تأثيراً من الشعار السياسي مثل {عدى النهار} للأبنودي وبليغ حمدي أو {الطريق} لمجدي نجيب. الأغنية الخالصة التي تتفادى الوقوع في فخ الشعار تبقى لزمن أطول.

ما الفرق بين أغنية الثورة وأغنية الميدان التي يشدو بها المتظاهرون أثناء الفاعليات والتي تأتي فطرية ومن أشخاص غير معروفين ويستحقون الإشادة، ولماذا لم تحتف بهؤلاء في كتابك؟

ثمة فرق كبير بين أغنية الثورة وبين أغنية الميدان، فالأخيرة ينحصر دورها في كونها إحدى أدوات المتظاهر للبقاء أطول فترة ممكنة في الميدان، وهي إحدى آليات التعبير عن الثورة وليست الثورة ذاتها. وثمة خطأ فادح وقع فيه ثوار 25 يناير عندما تصوروا أن التظاهر في حد ذاته هو الثورة أو أنه الفصل السياسي الوحيد المعبر عنها، ولذلك سقطوا في مباراة الانتخابات.

خطفك التحليل الموسيقي نوعاً ما من كتابة الشعر... لماذا؟

نعم، خطفني الانشغال بالموسيقى بشكل عام سواء بكتابة الأغنية أو الكتابة عنها من الشعر لكن حدث هذا في وقت لم أشعر فيه أن لكتاباتي جدوى أو أن الناس تريد مني ومن غيري شعراً وربما أكون قد أخطات أو أصابني الإحباط وهزمت مبكراً فلم أخلص للقصيدة بما يكفي فلم تخلص لي هي الأخرى. كذلك لم أخلص للأغنية فأنا أتعامل مع الكتابة سواء الشعر أو الأغنية كهاو يتعلم وما زلت أشعر بذلك وأعتقد أنني سأظل كذلك.

بدأت حياتك الأدبية بكتابة شعر العامية ثم تحولت إلى الشعر الغنائي، هل من الممكن أن تعود مرة أخرى إلى العامية؟

كتابتي لشعر العامية لم تنقطع لكنني غير مهموم بالنشر أو الطبع. لدي ديوان جاهز من عشر سنوات اسمه {عتبة قديمة تشبهك} سأطبعه قريباً ولدي أيضاً مشروع آخر عبارة عن كتابة صوفية تجمع بين الشعر والموسيقى والغناء أتمنى لها الفرصة المناسبة حتى يراها ويسمعها ويقرأها الناس، وربما كان فوزي بجائزة الدولة فرصة لذلك.

الصحافة تقتل الأدب.. ألا تخشى من هذا المصير الذي واجه الكثير من الشعراء والروائيين؟

الصحافة لا تقتل أدباً أو أديباً ولا غيرهما بصراحة شديدة، فثمة أدباء عملوا في الصحافة وأخلصوا للكتابة وتركوا رصيداً رائعاً وغزيراً مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى حقي. نحن نقتل أنفسنا، أقولها بصدق، أنا الذي أهملت ما أفعل فأهملني الشعر، فكما نعرف ويعرف هو لا يعطي من يهمله وهذا عدل فعشرات من أبناء جيلي متميزون ومبدعون سواء كانوا يعملون في الصحافة أو لا... الأهم ألا يتعالى أحدنا على ما يكتبه أو يفعله.