لأن مجلس التعاون الخليجي هو التجربة العربية الوحدوية التي بقيت صامدة خلال كل هذه السنوات منذ الخامس والعشرين من مايو عام 1981 رغم كل ما مرَّ على هذه المنطقة من متغيرات وأحداث وحروب، فإن المفترض أنَّ كل عربي وأول ذلك أبناء الخليج يشعر بالألم لا بل وبالخيبة بعد حدوث هذا الصدع الذي بالإمكان رأبه بسرعة قبل أنْ تحاول خفافيش الظلام من المرتزقة الذين اعتادوا التعيش على آلام هذه الأمة وأوجاعها والذين سارعوا للنفخ في جمر الفتنة، وكأنهم أحرص من قطر العزيزة حقاً على نفسها، وكأنهم لا يعرفون أنَّ من يقود المملكة العربية السعودية رجل عملاق عاش وعايش تقلبات القرن الماضي وما مضى من هذا القرن، الألفية الثالثة، وبقي يمسك بمواقفه العروبية وبالقيم العظيمة التي تربى عليها في كنف عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي لا يجافي التاريخ الحقيقة عندما يقول إنه كان أبرز قادة ورموز القرن العشرين.

Ad

وحقيقة أن ما جرى كان مفاجأة موجعة للقلوب، لأنه ليس أقرب للمملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى للعرب كلهم من قطر هذه النجمة المتلألئة على ثغر الخليج، والتي والله يشهد أننا لانزال نراهن على أنه لن تكون هناك قطيعة بين دولتين شقيقتين، وأنَّ الذين اعتادوا الطرب في مآسي الإخوة والأشقاء لن ينجحوا إطلاقاً مهما سعوا إلى التأزيم ومهما نفخوا في جمر الفتنة والبغضاء، وأنَّ المياه لن تلبث أن تعود إلى مجاريها مادام هذا العملاق الواسع الأفق عبدالله بن عبدالعزيز هو حادي المسيرة وحارس الحلم العربي، ومادام هذا الشاب الواعد تميم بن حمد الذي عولنا ولانزال وسنبقى نعول عليه هو صاحب القرار في هذه الدولة الشقيقة الصغيرة الحجم الكبيرة الأفعال والعلية القدر.

ربما أن الأشقاء في قطر قد غضبوا ومعهم الحق من إبعادهم عن عملية المصالحة اليمنية-اليمنية، وكل هذا وهم يعرفون تمام المعرفة أن المملكة العربية السعودية ليس لها أيُّ يدٍ أو علاقة بالنسبة لهذا الأمر، وكل هذا وهم يعرفون أنَّ هذه الدولة الشقيقة لا حدود لثقتها بنفسها وأنها دأبت، عامدة متعمدة، على وضع الأشقاء القطريين في واجهة العمل العربي والدولي... وأيضاً الخليجي، وأنها هي التي بقيت تقدم وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم على كل وزراء الخارجية العرب لا لشخصه، مع كل الاحترام والتقدير لشخصه، ولكن لأنه يمثل قطر هذه الدولة الشقيقة النشيطة والمثابرة والتي لا تتردد في الإقدام على فِعْل الخير.

لقد كان منتظراً ولايزال منتظراً من هذا الشاب الواعد الذي يشبه سهماً منطلقاً من قوسٍ مشدودة الوتر أن يراعي غضب خادم الحرمين الشريفين وغضب المملكة العربية السعودية مما يجري عند حدودها الجنوبية، ومن تدخل إيران السافر في الشؤون العربية الداخلية، ومن دعمها على أسس مذهبية وطائفية لزمر الحوثيين الذين باتوا يعيثون في اليمن خراباً ودماراً، ومن احتلالها للعراق ومشاركتها الفاعلة في ذبح الشعب السوري وتدمير مدنه وقراه وتشريده في أربع رياح الأرض.

إنَّ المعروف أن "عدوُّ جدِّك لا يمكن أنْ يُودّك"، وأنَّ إيران التي تستهدف المملكة العربية السعودية وتستهدف العراق وسورية واليمن ولبنان وفلسطين ومصر لا يمكن أن تُوفِّر قطر إنْ لاحت فرصة لاستهدافها، ولهذا يجب عدم الذهاب بعيداً في هذا الطارئ بين دولتين شقيقتين، ويجب عدم ترك هذا الجرح "مفتوحاً" وينزف دماً، فالمثل يقول: "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض"، ويقيناً أنَّ الشيخ تميم هذا الشاب الواعد فعلاً كأحد الرموز العربية الأساسية يعرف أنه لا غنىً لقطر عن المملكة العربية السعودية، وأن المملكة العربية السعودية صاحبة الصدر الواسع والحضن الذي يتسع للجميع لا يمكن أن تقبل استمرار هذه اللحظة العابرة المريضة.

الآن أصبحت قمة الكويت العربية على الأبواب، وهناك قناعة راسخة لدى العرب كلهم بأن أرض الكويت أرض طيبة وأرض تكاتف في وجه كل هذه التحديات التي تحيط بوطننا العربي من كل جانب، ولهذا فإن هناك ثقة بأنَّ ما استجد بين المملكة العربية السعودية وقطر هو أزمة عابرة، وأنه مجرد عتب بين الشقيق وشقيقه، وأن طويل العمر الشيخ صباح (أبو ناصر) قادر بحنكته وحكمته على تحويل هذه القمة إلى قمة تصافٍ وإلى قمة لتجاوز "الزلّات"، فهناك قضايا كبرى، وبخاصة في سورية والعراق وفي فلسطين وفي اليمن وفي مصر بحاجة إلى التعالي على الجراح وبحاجة إلى وقفة واحدة، وإلّا فإنَّ التاريخ لا يغفر!