«الإيكونوميست» تفتح مجدداً ملف «الخصخصة» ومستقبلها في العالم

نشر في 15-02-2014
آخر تحديث 15-02-2014 | 00:01
إذا صممت برامج خصخصة ضعيفة فقد تؤول كميات كبيرة من الغنائم إلى حفنة صغيرة من المقربين لا يستحقونها، وهو أمر يؤدي إلى تداعيات سلبية على غرار ما حدث في الماضي من أزمات وغليان في أميركا اللاتينية.
 إيكونوميست يتناول جدالنا اليوم قضية اقتصادية متواترة دائمة التجدد وتنطوي كذلك على أبعاد سياسية متجذرة. ومنذ زمن بعيد، يدعو أنصار عدم التدخل ذوو الفكر الرأسمالي إلى الخصخصة وضرورة تبني مفاهيمها، وهم في العادة من اليمين السياسي. وفي المقابل يعارضها في الغالب، وبشكل مستميت، اتحادات النقابات العمالية وآخرون ممن ينتمون إلى التيار اليساري.

وعلى مدار خمسة وعشرين عاماً، كانت قضية الخصخصة عرضة للتقلبات صعوداً وهبوطاً، تماشياً بشكل جزئي مع طبيعة الحكومات وتركيبتها علاوة على أوضاع الأسواق المالية (فمن يرغب في البيع حال هبوط الأسعار؟)

وخلال السنوات القليلة الماضية، تصاعدت بقوة الدعوات إلى استخدام وصفات الخصخصة، لكن معظمها جاء من الدول النامية الكبيرة مثل الصين والبرازيل. ويثار هنا تساؤل هل حان الوقت بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة لإعادة اكتشاف جرأة عقد الثمانينيات من القرن الماضي وأوائل العقد السابق؟

من المؤكد أن في وسع تلك الاقتصادات تحقيق البعض من العوائد الإضافية. في العديد من دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (أويسيد) كان الدين العام هو الأعلى في مستويات زمن السلم. وفي إيطاليا، على سبيل المثال، يبلغ أكثر من 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى كثيراً من المستوى الذي يعتبره معظم الاقتصاديين ضمن الشريحة المستدامة، هو ما يبرهن أنه حينما يكون الاقتصاد في مرحلة الإصلاح يبدو التعافي هشاً.

وبخلاف المفهوم السائد والمنتشر حالياً بأن معظم الأصول الجيدة قد تعرضت في الأساس إلى هزات مؤثرة، فإن الحكومات لا يزال لديها الكثير من البنود والموجودات التي تتمتع بجاذبية محتملة في سجلاتها. ويعتقد أن لدى دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" كماً من المشاريع المملوكة للدولة بصورة كاملة أو جزئية، تساوي تريليوني دولار. إضافة إلى ما يساوي تريليوني دولار أخرى من الأصول شبه الوطنية، مثل المنشآت الإقليمية. ويطغى على هذه الموجودات الأبنية العامة والأراضي وما يطلق عليه "أصول غير مالية". وهي أصول لا يمكن معرفة قيمتها الدقيقة لأن العديد منها يقع في خانة القيم الدفترية غير الدقيقة، بينما هناك أصول أخرى لم يتم تسجيلها في الأصل، فضلاً عن أن معظم الحكومات لا تقدم ميزانيات بشأنها.

ومع توافر مثل تلك المجوهرات مخبأة في الخزائن، في الوقت الذي يعاني فيه مالكوها متاعب مالية، يكون من الأمانة والمصداقية ضرورة التشديد على أهمية المضي قدماً على خطى خصخصة المزيد منها، لكن الخصخصة لا توفر سوى فترة راحة قصيرة بالنسبة إلى حكومة أدمنت على الإفراط في الإنفاق. وعلى الرغم من أن بعض عمليات البيع كانت ناجحة بشكل جلي (من يمكنه المجادلة في أن شركات الاتصالات الأوروبية كانت ستصبح في وضع أفضل لو أنها بقيت مملوكة للدولة؟)، فإن هناك شريحة أخرى بقيت قيمها محل تساؤل وموضع شكوك، وشريحة أخرى بدت بمنزلة الكوارث الحقيقية التي لا يمكن إنكارها أو التقليل من عواقبها.

وإذا صممت برامج خصخصة ضعيفة- خصوصاً إذا لم يتم إنشاء أطر عمل ملائمة أولاً- فقد تذهب كميات كبيرة من الغنائم غير المستحقة إلى مجموعة صغيرة من المقربين لصناعة القرار، وهو أمر يؤدي إلى تداعيات سلبية على غرار ما حدث في الماضي من أزمات وغليان في أميركا اللاتينية.

ويسعد "الإيكونوميست" أن تستضيف اثنين من الخبراء البارزين لمناقشة قضية الخصخصة. في البداية يتحدث أستاذ علم الاقتصاد في جامعة تورين، ومدير مختبر الاستثمارات السيادية في جامعة بوكوني في ميلانو، ومؤسس "بارومتر الخصخصة"، البروفيسور برناندو بورتولوتي، عن انطلاقة أخرى لقطار الخصخصة وعمليات الطرح لمشروعات وأصول مملوكة للدولة. وهو يرى أن ثمة حلقة فعالة وواعدة لمبيعات ذات هيكلية ملائمة: دفعات تقليص الديون الزائدة، ورفع تصنيفات الائتمان، والمنافسة الأشد. والأكثر من ذلك، فإن ظروف السوق صحيحة مع اقتراب أسواق الأسهم العالمية من مستويات مرتفعة تاريخية، واحتمال استمرار شهية زائدة من المستثمرين لاقتناء حقوق الملكية والاقبال عليها بالنسبة لنوعيات من الأصول الأخرى.

وعلى النقيض، نرى أستاذ التخطيط الحضري في جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "أنت لا تحصل دائماً على ما تدفع ثمنه: اقتصادات الخصخصة"، البروفيسور ايليوت سكلار، يولي اهتمامه بالمكاسب المالية في الأجل القصير للبيع في مقابل التكلفة الاجتماعية المحتملة، ويرى أن تلك المكاسب ضئيلة إلى حد كبير. وهو يجادل في كون أحد الأسباب وراء ذلك يكمن في عنصر التنافر في الوقت والبواعث بين البائع والمشتري. ومن خلال استخدامه للمثال الذي أقدمت عليه ولاية شيكاغو بخصخصة أصول مواقف السيارات، فإنه  يرى أن نموذج خصخصة الإدارة مع احتفاظ الدولة بملكية الأصول- وهو نمط ينتشر بازدياد- ليس هو الحل الناجع.

وفي سبيل سبر غور تلك القضية المركبة والمتشعبة طرحت "الإيكونوميست" بعض الأسئلة التي تنشد التوضيح والإجابة وقد شملت ما يلي:

ما هي أنواع الأصول "الاستراتيجية" أو "الواجب توريثها" التي ينبغي أن تكون مستثناة في كل الظروف؟ وماذا تخبرنا أمثلة "رأسمالية الدولة" الناجحة، خصوصاً في اسكندنافيا، عن إيجابيات وسلبيات الخصخصة، أو عن كيفية تحسين إدارة الأصول التي تبقى في حيازة القطاع العام؟ ومتى يصبح من المنطقي تأجير، أو إصدار سندات بضمان الأصول، أو تشكيل شراكة بين القطاعين العام والخاص بدلاً من البيع بصورة مباشرة؟ ثم وفي ضوء الافتقار إلى أنظمة محاسبة جيدة وطرق جمعها للمعلومات التي تتسم بالضعف، ماذا تستطيع الحكومات أن تفعل من أجل تحسين وتطوير التعامل مع موجوداتها على نحو أفضل؟

وقد ألقت "الإيكونوميست" الضوء على الخصخصة وأبعادها في حوار مفتوح للجدل كي يسهم فيه المشاركون بآرائهم ومجادلاتهم الأكثر اقناعاً، وكذا التصويت بتأييد الأفكار التي وردت على لسان الخبيرين اللذين يمثلان خطين متقابلين في تعاطيهما مع قضية متشابكة ومثيرة للجدل.

Mattew Valencia

back to top