تزخر النشرات الإخبارية اللبنانية بألفاظ وكلمات واستعارات أسطورية ودينية وأدبية وخرافية وبيولوجية وطائفية وتوراتية، يقولها الإعلاميون أو المراسلون لوصف حدث ما ومرات ينقلونها عن لسان السياسيين وغيرهم، في بلد يمكن وصفه بـ}بابل اللغات} التي لها حكايتها ومعانيها. والملاحظ من خلال المراقبة أنه كلما كثرت الأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية في لبنان، يكثر معها استعمال العبارات الرمزية والاستعارية تختصر توصيف المشهد العام.

Ad

يمكن وضع قاموس مخصص للعبارات الإعلامية الاستعارية والرمزية مثل {قاب قوسين أو أدنى، سكان الهيكل، القابلة القانوينة، الخطوط الحمر، الضوء الأخضر، ولادة قيصرية (أي غير طبيعية. في اللغة المحكية يُقال {شق بطن} و{سيزاريان})، عنق الزجاجة (أي الجزء الأعلى منها، وهي كناية عن حدوث أزمة ووجودها في منفذ ضيّق)، و{مسمار جحا} الذي يُضرب به المثل في اتخاذ الحجج الواهية للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل، و{زواج ماروني} أي لا طلاق فيه، و{الطابور الخامس}... وهذه الكلمة يسهل معرفة معناها لكن لها قصتها الطويلة، فهو مصطلح متداول في أدبيات العلوم السياسية، نشأ أثناء الحرب الإسبانية التي نشبت عام 1936 وأول من أطلقه، الجنرال اميليو عندما قال إن أربعة طوابير تتقدم على مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك طابورا خامساً كاملاً داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي طابور إنجازه، والطابور الخامس سلاح مهمته الشائعات والفوضى.

 ثمة كلمات تستعمل إعلامياً نعرف معناها ولكن من الصعب أن نجد حكاية أصلها، مثل {وضع العصي في الدواليب} (أي العرقلة)، أما عبارة بـ{انتظار تصاعد الدخان الأبيض} التي ترتبط بنتائج عادة إيجابية في السياسية، فنلاحظ أن كثيرين انتبهوا حديثاً إلى أن مصدر هذه الكلمة يعود إلى انتخاب البابا في الفاتيكان، حيث يتصاعد الدخان الأبيض من المقر البابوي بعد انتخابه.

ثمة مصطلحات يستعملها بعض الإعلاميين وربما لا يفهمون أصلها وفصلها، على غرار {حصان طروادة} التي يضرب بها المثل، كلمة نسمعها كثيراً من دون أن نعرف قصتها، في الحقيقة هذه الأسطورة اليونانية التي تناولها هوميروس في الياذته الشهيرة، تعود تحديداً إلى الصراع الذي كان دائراً بين طروادة وإسبارطة وإلى الحيلة التي لجأ إليها الاسبارطيون للاستيلاء على طروادة. وهناك كلمة {دون كيشوتية} التي تعني الادعاء ببطولات كرتونية وهوائية للشعور بالانتصار على أعداء وهميين، وهو تعريف مأخوذ من رواية {دون كيشوت} للروائي الأسباني ثيرفانتس.  

ويبقى أن نشير إلى أن العبارات الرمزية الأكثر استعمالاً في نشرات الأخبار اللبنانية هي {البلد على كف عفريت}، و{أبقى على شعرة معاوية}. الأولى تدلّ على السوداوية التي نسمعها في الليل والنهار لوصف الخطر الذي يحدق بلبنان اقتصادياً وأمنياً وسياسياً واجتماعياً، يعرف اللبنانيون هذه الكلمة أكثر من أرزتهم الوطنية، بل أن العفريت يلتصق بلبنان، لكن لا أحد يعرف شكل كفه؟! وما أصل هذه الكلمة؟ ويعرف الرافع الذي يستعمل للسيارة بالعفريت وهو علامة للإنقاذ والمساعدة وليس للخطر، وكلمة عفريت بمعناها المجازي تعني {المبالغ فيه}، وكان وما زال له مكانة مهمة في النتاج الأدبي والفلكلوري للشعوب فهو يظهر في القصص المحكية وفي الأفلام السينمائية وأفلام الكرتون وألعاب الفيديو، فضلاً عن أن شخصيته تم تجسيدها في كثير من المسرحيات. وكان الروائي السوري حنا مينة يقول {اِسْتَعَرْنَا مِنْ حِكَايَاتِ الأَهْلِ عَنِ العِفْرِيتِ مَعَالِمَ الشَّخْصِيَّةِ الَّتِي سَتَقُضُّ مَضَاجِعَنَا فِي لَيَالِي الشِّتَاءِ}.  

أما شعرة معاوية التي لا تنقطع، فهي كناية عن السياسة التي كان يطبقها معاوية حتى أضحت {أطروحة سياسية}، يتغنى بها السياسيون في عصرنا ويستعملها الإعلاميون لاختصار تقاريرهم، وقد قال معاوية عندما سأله أحد الأعراب: {كيف حكمت أربعين عاماً، ولم تحدث فتنة واحدة بالشام بينما الدنيا تغلي؟}. فأجابه: {إن بيني وبين الناس شعرة، إذا أرخوا شددت وإذا شدوا أرخيت}.  

من هذه الاستعارات الكثيرة التي نسمعها في المحطات التلفزيونية، يتبيّن لنا أن لبنان بلد {الدراما والتراجيديا} والكوابيس، وليس بلد {العسل والبخور}.