تنمية الفشل والفساد
• لو أجرينا تحليلاً لمضمون خطابات الحكومة، كل حكومة سابقة وحالية وقادمة، وبالذات تلك التي يتم تقديمها إلى مجلس الأمة، لوجدنا كلمةً تكاد تتكرر دائماً ألا وهي "التنمية"، حتى كدنا نصدق وجودها. وفي المقابل إن نحن فعلنا ذات الشيء لخطابات مجلس الأمة، حتى في الحقب القليلة التي كان لدينا فيها مجلس له طعم، لوجدنا "التنمية" شاهرة سيفها معلنة عن نفسها كأنها حقيقة راسخة ثابتة.• وبالتالي، ونظراً للعجز والفشل الإداري والسياسي في تحريك المجتمع نحو مزيد من الاطمئنان والشعور بالانتماء والإنجاز والتقدم، أصبحنا نتحدث عن وهمٍ اسمه التنمية. صار الجميع يبحث عنها ويتخيلها حلاً لأزماتنا المتكررة، حتى تم "تواطؤ ذهني"، يعبر عن إحساس بالعجز، على إقرار "خطة تنمية" بشبه إجماع سياسي برلماني- حكومي. وكان لافتاً الفرح البدائي الذي ظهر على السياسيين بالإنجاز الخطير أو التاريخي كما قيل حين إقرارها. فإن كان ذلك قد تم فيما يفترض أنه مجلس قوي، معارض، إن شئت، فكيف لنا أن نتوقع الحال في مجلس الربع أو الخمس أو حتى الثمن؟
• بالطبع ليس من المجدي الحديث عن أين وصلت تلك الخطة وملياراتها التي خرجت ولن تعود، ولن نراها، حتى على شكل مشاريع مقنعة، وليس من المجدي الحديث عن محاسبة أحد، فما تم إقراره بالأساس لم يكن خطة تنمية، بل عملية "قص ولزق" عبثية في محاولة ركيكة لتقليد فن "الكولاج".• ولأنه لم يكن هناك خطة تنمية بالأساس، مع أنها صدرت باتفاق تشريعي، حكومي برلماني، معارض موالٍ، لم يكن مستغرباً تضارب المعلومات حول الميزانية المخصصة لتلك الخطة المزعومة، حيث تراوحت ما بين 16 مليار دينار و34 ملياراً، وربما هناك أرقام أخرى لم يُعلَن عنها. وحسب دراسة أقوم بها وجدت تسعة مصادر حكومية وبرلمانية مختلفة تردد أرقاماً مختلفة عن بعضها، في حين كان حبر الخطة لم يجف بعد. ومع ذلك مازال هناك من يتحفنا، بين فترة وأخرى، بعدد المليارات التي تم إنفاقها على ذمة الخطة. لطمأنتنا، كما يبدو أن التنمية تسير حسب ما ترمي له الخطة حقاً، وهو تنمية الفشل والفساد.