بدأت الصحافة الكويتية حملة إعلامية منظمة مادتها الأساسية كشف الاختلالات المالية والتحديات الاقتصادية ومنهجية الإدارة السياسية للدولة، وهدفها إعادة رسم الخريطة الاقتصادية بحسب رؤيتها ومن يمثلها من التيار التجاري والنخبوي!

Ad

قد نختلف مع هذه الرؤية الموجهة لمصلحة فئات صغيرة من النخبة المتنفذة، ولكن بالتأكيد نشاركهم القلق والغموض الذي يكتنف مستقبل الكويت، حيث تزايد احتمالات العجز وربما الإفلاس بسبب الاستمرار في النهج التقليدي لأوجه الصرف في الميزانية العامة للدولة.

الحل المقترح لمعالجة هذا الخلل الجسيم من زاوية ضيقة وأفق مصلحي قصير الأمد لن يجدي نفعاً بل من شأنه تعقيد المسألة وتفجيرها سياسياً، خصوصاً إذا كان المستهدف هو الشعب الكويتي وفق ما يتم الترويج له من انتهاء دولة الرفاه وتقليص الخدمات العامة، وهذا ما طرحه المجلس الأعلى للتنمية أخيراً، وبدأت بعض الصحف الترويج له مثل تقليص الإنفاق العام، وإعادة فلسفة الرعاية السكنية، واستبدالها بشقق للمواطنين، وتجربة جس النبض لتخفيض الرواتب والمكافآت الجارية مع القطاع النفطي.

 الحكومة ومنذ حقبة الستينيات ربطت الاقتصاد الوطني بمعادلاتها السياسية من أجل كسب الولاءات، وهذا المحور ارتكز على قاعدتين هما إرضاء الناس عبر الخدمات العامة المجانية، والتوظيف، والتثمينن وكسب التجار وولائهم السياسي من خلال المناقصات والترضيات والتعيينات في المواقع التي تسهل الاستيلاء على المشاريع المربحة.

هذه المنهجية ترسخت كثقافة عامة وقاعدة تقليدية في إدارة الدولة، وتناست التطوير التنموي وتنويع مصادر الدخل، لذلك فمن الطبيعي أن تصل إلى طريق مسدود بعد نصف قرن، حيث تضاعف عدد السكان أكثر من عشر مرات، وباتت الكلفة المالية مرهقة وعاجزة عن الاستمرار وفق هذه الآلية البسيطة، لكن الخطأ الجسيم أن تختار الحكومة الطريق الأسهل ووفق شعارات سياسية قابلة للتسويق الإعلامي مثل التقشف، والمحافظة على المخزون الاستراتيجي للأصول المالية المتعلقة بالأجيال القادمة، وتوجيه الاقتصاد نحو الإنفاق التنموي، في حين تترك أربعة أبواب من الميزانية مشرعة حتى الآخر لمصالح ضيقة وتحالفات اقتصادية-سياسية جديدة فاحت روائح الفساد والتلاعب منها، ولم يتحقق من المليارات التي صرفت خلال السنوات الماضية تلك المؤشرات الإيجابية للتنمية، ولا تطوير البلد، ولا تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي عالمي.

هذا الاستنتاج ليس من عنديات المدافعين عن حقوق عوام الناس أو المعارضين لهذا التوجه الحكومي فحسب، بل المجلس الأعلى للقضاء الذي ذكر في بيانه السنوي الأخير المثالب الكبيرة في قوانين مكافحة الفساد التي تجعل المتلاعبين في خيرات البلد وثرواته يسرحون ويمرحون دون محاسبة أو عقاب، وتبقى أبواب الحلول مغلقة حتى إشعار آخر حسبما أعلن بعض النواب في أن الحكومة بدأت بدفع الفواتير السياسية لوقف المحاسبة البرلمانية، وإصدار التشريعات الفارغة من الداخل، وإجهاض القوانين الشعبوية، فلا حول ولا قوة إلا بالله!