ينفي المنتج محمد العدل أن يكون للسينما أو المشاهد الجنسية فيها أي علاقة بانتشار ظاهرة التحرش في الشارع المصري، معللاً ذلك بأن السينما انعكاس للمجتمع وليس العكس، و»المشاهد الساخنة، كما يُطلق عليها، موجودة في السينما منذ بدايتها ومع ذلك لم يحدث أي حالات تحرش إلا أخيراً».

Ad

وأضاف العدل: «خلال السبعينيات قدمت ناهد شريف أفلاماً كثيرة تحتوي على مشاهد جنسية صريحة، وشمس البارودي أيضاً وغيرهما من الفنانات، فهل انتشر التحرش في الشارع بعد مشاهدة أفلامهن؟ وهل تأثر الشباب بما شاهدوه في فيلم «أبي فوق الشجرة»؟».

تظاهرات

وأوضح أن «ظاهرة التحرش صناعة النظام السابق، حينما استخدمه في تفريق التظاهرات، وبعدها أصبح التحرش ممنهجاً وتحول إلى وظيفة في فترة تراخي الدولة عن القيام بدورها في حماية المواطن في الشارع. حتى إن ما تتضمنه السينما من مشاهد هو بسبب هذا الانحلال الأخلاقي. فعلى الدولة أن تهتم بالسينما وتقدم لنا أفلاماً جيدة تتضمن ملائكة وأشخاصاً جيدين كي ينعكس ذلك على الشارع ويتحول إلى مجتمع من الملائكة».

من جانبها، أكدت الفنانة فريال يوسف أن السينما بريئة من هذه التهمة، لأن «السبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة هو الجهل والفقر وانهيار التعليم، وغياب الأمن. وأضافت فريال أن المشاهد الجنسية والإيحاءات لا علاقة لها بالتحرش، لأن مثل هذه المشاهد يمكن مشاهدتها عبر وسائل التكنولوجيا التي سهلت الوصول إلى مثل هذه المشاهد وأكثر، من دون الحاجة إلى النزول إلى السينما. بالتالي لا علاقة للسينما وما تقدمه بهذه الظاهرة لأن المشاهد المثيرة موجودة منذ بدايات السينما فيما لم تظهر حالات التحرش إلا أخيراً. كذلك أضافت أن على المسؤولين البحث عن الأسباب الحقيقة لهذه الظاهرة ومحاولة علاجها بدلاً من البحث عن مبررات إعلامية لا تؤدي إلى أي حل».   

بدوره، يرى المخرج محمد حمدي أن ما يقال عن حدوث ظاهرة التحرش بسبب مشهد أو إيحاء مجرد مبرر من الدولة وجمعيات المرأة لتبرير فشلهم في توفير الأمان والحفاظ على المجتمع وحماية المرأة. وتساءل: «هل السينما أيضاً مسؤولة عن انتشار الفساد في الدولة ومخالفة الناس للقوانين والسير عكس الاتجاه والتعدي على أراضي الدولة؟ لمجرد أن تناولت السينما ظاهرة الفساد أو جرائم حدثت فعلاً في المجتمع. تراجع الدولة عن القيام بدورها في الأمن والتعليم والبطالة، وتراجع منظمات المجتمع المدني عن دورها في نشر الوعي سبّبا انتشار التحرش، وليس مشهد أو جملة في فيلم سينمائي وإلا كان التحرش انتشر منذ بدابة السينما. تكمن المشكلة في بعض المحسوبين على المثقفين والسينمائيين الذين وافقوا على هذا التبرير الغريب بل وروجوا له، واتهموا السينما بأنها وراء هذه الظاهرة».

الناقدة ماجدة خير الله ترى أن اتهام المشاهد المثيرة في السينما بمساهمتها في انتشار حالات التحرش في الشارع أمر مبالغ فيه كثيراً، وأضافت: «لا أنكر أن بعض الأفلام يحتوي على مشاهد إثارة وعنف غير مبررة، ولكن لا أستطيع أن ألقي اللوم على الأفلام في ما يشهده المجتمع من ارتكاب جرائم أخلاقية في حق نفسه، لأن له أسباباً كثيرة ليست الأفلام وما تقدمه من مشاهد وإيحاءات من ضمنها. فضلاً عن أن مرتكبي هذه الجريمة بتركيبتهم الاجتماعية قد لا يكونوا من رواد السينما من الأساس. ولكن الفقر والبطالة وغياب الدولة وعدم تطبيق القانون ساهمت في انتشار هذه الظاهرة، خصوصاً أن الفن عموماً يطرح القضايا السلبية في المجتمع وينتقدها وليست وظيفته أن يحرض عليها، فضلاً عن أن صانعي السينما والدراما لم يتنبؤا بما يحدث راهناً من حالة تحرش، كي يدعي أحد أن هذا التنبؤ كان سبباً في حدوث الظاهرة.

وترى الناقدة خيرية البشلاوي بدورها أن الأفلام المعروضة راهناً وما تحتوي عليه من مشاهد جنسية وإيحاءات تعد عاملا من العوامل التي ساهمت في انتشار حالات التحرش. وتتابع: {لكن لا أستطيع أن أقول إنها العامل الرئيس والأساسي الذي يعتمد عليه المتحرش. بل هي الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها المواطن المصري، تحديداً الذين يعانون الفقر والحياة الصعبة ولم يجدوا أمامهم سوى أن يتنفسوا من خلال الغرائز، مما يدفعهم إلى ارتكاب هذه الجرائم.

ظاهرة التحرش

ويعتقد المنتج محمد حسن رمزي أن السينما ليست بريئة من تدمير عقول الشباب ونشر ظاهرة التحرش بينهم، مؤكداً أن السينما المصرية مرآة للمجتمع على مدار تاريخها، بل كانت أيضاً أحد عناصر القوة الناعمة وتشكيل الوعي المصري. ولكن للأسف، عندما أصاب الانهيار الصناعة خلال السنوات الأخيرة وانسحب المنتجون الكبار بسبب الأزمة الاقتصادية والخسائر التي تلحق بهم ظهر على الساحة نوع من المنتجين يخاطبون غرائز الشباب.

وأضاف رمزي أن فكرة {الجمهورعايز كده} رسخت مفاهيم خاطئة انتشرت معها ظواهر غير أخلاقية في الشارع المصري، و}أعتقد أن ضمير المنتج والفنان هما العنصر الأهم في علاج تلك الظاهرة وليس المنع}.

ويوافقه الرأي المخرج محمد فاضل، قائلاً: لا بد من أن يعي صانعو السينما أن أعمالهم تشكل وجدان الملايين، وما شهدته الساحة أخيراً من أفلام سيئة مليئة بمشاهد وإيحاءات جنسية وأحياناً شتائم صريحة أسهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة التحرش من خلال مخاطبة غرائز الشباب وإثارتها، بل وتقديم المتحرش باعتباره شاباً خفيف الظل ومقبولاً اجتماعيا. وهنا تكمن الكارثة بأن يتحول العيب والخطأ إلى أمر عادي بين الناس بسبب ما يروج له صانع فيلم أو عمل فني .