خلايا الدم الحمراء عناصر متغيرة الشكل فعلاً، وهي على الأرجح العناصر الأكثر مرونة من بين جميع أنواع الخلايا، فهي تتحول إلى أقراص مضغوطة تستطيع أن تعبر الشعيرات الدموية التي يكون قطرها أصغر من خلية الدم نفسها. أثناء دراسة طريقة انقباض تخثر الدم، اكتشف جون ويزل، أستاذ في علم الخلايا والبيولوجيا التطورية في كلية بيرلمان الطبية في جامعة بنسلفانيا، علماً هندسياً جديداً مفاده أن خلايا الدم الحمراء تنشط عندما تصبح مضغوطة خلال تشكّل التخثر.
صحيح أن خلايا الدم الحمراء رُصدت للمرة الأولى في منتصف القرن السابع عشر ودُرست بشكل مكثف منذ ذلك الحين، لكن نُشرت هذه الدراسة الجديدة على الإنترنت قبل طبعها في مجلة {الدم} وهي تصف شكلاً كان مجهولاً في السابق ووظيفة جديدة محتملة لخلايا الدم الحمراء. وجد فريق البحث في جامعة بنسلفانيا أن خلايا الدم الحمراء يمكن ضغطها وتحويلها إلى هياكل متراصة ومتعددة السطوح والجوانب، بدل شكل القرص الثنائي التقعر.وعلى عكس التوقعات، تقبع مجموعات الفيبرين والصفائح الدموية التي تتشكل منها الجلطات المضغوطة على الجهة الخارجية من التخثر، تزامناً مع احتشاد خلايا الدم الحمراء على الجهة الداخلية من التخثر، مع أن محتويات التخثر تكون أكثر تجانساً قبل أن يحصل الانقباض.قد تشكّل الجلطات المضغوطة طبقة عازلة لا يمكن اختراقها وتساهم في منع انسداد الأوعية الدموية لكنها تسمح باختراق الأدوية التي تفكك الفيبرين (العنصر البنيوي في الجلطات)، وهو خيار علاجي شائع للنوبات القلبية والجلطات الدماغية.يتذكر ويزل: {حين توصلنا إلى هذا الاستنتاج في المرة الأولى فكرنا: لا يمكن أن يكون الأمر بيولوجياً}. شاهد الفريق أولاً خلايا الدم الحمراء على شكل مجسم متعدد السطوح عند دراسة عملية انقباض التخثر عبر استعمال تكنولوجيا جديدة بالرنين المغناطيسي، وذلك بالتعاون مع باحثين من شركةT2 Biosystems، إلى جانب الطبيب دوغلاس سينيز، مدير مختبر تخثر الدم وأستاذ في علم الأمراض والطب المخبري في بنسلفانيا. فلاحظوا مؤشراً على وجود خلايا دم حمراء متراصة.شبكة التخثرالجلطات شبكة ثلاثية الأبعاد من الألياف، وهي تتألف في المقام الأول من بروتين الدم {فيبرينوجين} الذي يتحول إلى فيبرين خلال عملية التخثر، ومن الصفائح الدموية التي تتجمع عبر الاتصال بالفيبرين حين تنشط. يجب أن يكون تخثر الدم صلباً وليناً بما يكفي لكبح تدفق الدم حين يتضرر النسيج، شرط أن يكون مرناً أيضاً كي لا يعيق تدفق الدم.بعد تشكّل التخثر، تبدأ مادتا الأكتين والميوسين الموجودتان في الصفائح الدموية بالانقباض وتجعلان التخثر يتقلص إلى حوالى ثلث حجمه الأصلي. إنها خطوة مهمة لكبح النزيف وتخفيف انسداد الأوعية الدموية وتوفير بيئة حاضنة لنقل الخلايا التي تنشط لمداواة الجروح. تَعْلَق خلايا الدم الحمراء في عملية الانقباض، لا سيما في الجهاز الوريدي، ثم تجذبها الصفائح الدموية نحو الجهة الداخلية من التخثر.لم يكن الباحثون يعلمون الكثير عن بنية الجلطات المنقبضة أو دور خلايا الدم الحمراء في عملية الانقباض. يقول ويزل: {وجدنا أن جلطات الدم المنقبضة تطور بنية لافتة مع شبكة من الفيبرين والصفائح الدموية التي تتجمع على الجهة الخارجية من التخثر ومجموعة متراصة ومتنوعة من الكريات الحمراء المتعددة السطوح على الجهة الداخلية».لاحظ الفريق الشكل نفسه في الجلطات المضغوطة بعد إطلاق عملية التخثر بفضل مواد ناشطة متنوعة، وفي الجلطات التي تتشكل من دم الفئران أو من دم بشري يُعاد تشكيله مع عناصر الخلايا ومصل الدم. رُصدت تلك المجموعات المتراصة من الكريات الحمراء المتعددة السطوح أيضاً في الخثرات الشريانية البشرية المأخوذة من مرضى كانوا قد أصيبوا بنوبات قلبية. هذا الشكل مأخوذ على الأرجح من خلايا الدم الحمراء حين تنقبض أو تتلاصق عندما تضغط الصفائح الدموية على أي تخثر، كما لو أرادت أن تقلّص الحجم ونسبة الطاقة على السطح.يذكر سينيز أن هذه النتائج قد تترافق مع تداعيات عيادية لافتة. يجب أن يحقن الأطباء عناصر التخثر لتفكيك الجلطات سريعاً، وهي الجلطات التي تعيق تدفق الدم في الشرايين التاجية مثلاً لمعالجة النوبة القلبية أو في الشرايين المتصلة بالدماغ لمعالجة الجلطة الدماغية. من المعروف أن التخثر يطور مقاومة تجاه التفكك مع مرور الوقت، وهو أحد الأسباب التي تجعل التدخل المبكر بالغ الأهمية. يمكن تفسير ذلك السبب استناداً إلى الحاجز شبه العازل الذي تشكّله خلايا الدم الحمراء داخل الجلطات المنقبضة التي رُصدت في الدراسة المنشورة في مجلة {الدم}. قد يكون انقباض التخثر هدفاً يستحق التدخل لمنع نشوء مجموعة متراصة من العناصر المتعددة السطوح.
توابل - Hi-Tech and Science
خلايا الدم الحمراء تتخذ شكلاً متعدّد الجوانب
30-01-2014