مشكلة «جيه بي مورغان» تحت المجهر

نشر في 23-10-2013
آخر تحديث 23-10-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لقد عاش بنك جيه بي مورغان تشيس سنة سيئة، فهو لم يعلن أول خسارة فصلية له في أكثر من عشرة أعوام فحسب؛ بل وافق أيضاً على اتفاق مبدئي بدفع 13 مليار دولار أميركي لحكومة الولايات المتحدة كعقاب له عن بيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري بطريقة غير قانونية، وتلوح في الأفق تكاليف قانونية وتنظيمية كبيرة أخرى. سوف يتعافى جيه بي مورغان من هذه الكبوة بطبيعة الحال، ولكن محنته أعادت فتح المناقشة حول التصرف الواجب في التعامل مع البنوك "الأكبر من أن يُسمَح لها بالفشل".

في الولايات المتحدة، اختار صانعو السياسات ضم قاعدة فولكر (على اسم رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي السابق بول فولكر) في قانون دود-فرانك، وبالتالي تقييد المتاجرة في الملكيات من البنوك التجارية بدلاً من إحياء شكل ما من أشكال التقسيم وفقاً لقانون غلاس-ستيغال لبنوك الاستثمار والتجزئة. ولكن عضوي مجلس الشيوخ إليزابيث وارين وجون ماكين، وهو ثنائي قوي، عادا إلى القتال. وهما يزعمان أن الأحداث الأخيرة أثبتت أن جيه بي مورغان أكبر من يُدار على النحو اللائق، حتى بواسطة رئيسه التنفيذي جيمي ديمون، الذي لا يستطيع حتى أشرس منتقديه أن يتهموه بعدم الكفاءة.

ورغم هذا فإن مشروع قانون وارين-ماكين من غير المرجح أن يستن قريبا، ولو كان ذلك فقط لمجرد انشغال إدارة الرئيس باراك أوباما بالحفاظ على الحكومة عاملة وسداد فواتيرها، في حين يبدو التوصل إلى اتفاق بين الحزبين حول أي أيام الأسبوع هذا، ناهيك عن إقرار المزيد من الإصلاح المالي، أمر غير مضمون بالمرة. ولكن التساؤل حول ما ينبغي القيام به حيال البنوك العالمية الضخمة المعقدة التي تبدو السيطرة عليها أمراً بالغ الصعوبة يظل بلا إجابة.

يتلخص "الحل المدرسي" الذي تم الاتفاق عليه في مجلس الاستقرار المالي في بازل في أن الهيئات التنظيمية العالمية لابد أن تحدد بوضوح البنوك التي تمثل أهمية للنظام بالكامل وأن تفرض عليها قيوداً تنظيمية أكثر صرامة، في ظل إشراف أكثر كثافة مع تحديد نسب رأسمالية أعلى. وقد تم هذا بالفعل.

في بداية الأمر، تم تعيين 29 من هذه البنوك، جنباً إلى جنب مع عدد قليل من شركات التأمين- ولم تعرب أي منها عن سعادتها بالصحبة التي فُرِضَت عليها! وهناك إجراء للترقية والهبوط أشبه بالمتبع في الاتحادات الوطنية لكرة القدم، لذا فإن العدد يتقلب بشكل دوري.

 ويتعين على البنوك الواردة على القائمة الحفاظ على احتياطيات أعلى، والمزيد من السيولة، وهو ما يعكس مكانتها باعتبارها مؤسسات مهمة للنظام بالكامل، كما يتعين عليها أن تجهز ما يطلق عليه في العامية "الوصية الحية"، تشرح فيها كيف تريد أن يتم تقليص حجمها في الأزمات- وفي الأحوال المثالية من دون الاستعانة بأموال دافعي الضرائب.

ولكن رغم موافقة كل الدول الكبرى على هذا النهج، فإن العديد منها ترى أن الأمر يتطلب ما هو أكثر من هذا، فالولايات المتحدة لديها الآن قاعدة فولكر (ولو أن الخلاف بين البنوك والهيئات التنظيمية في تعريف هذه القاعدة يظل قائما). وفي أماكن أخرى يجري الآن تنفيذ قواعد أكثر تطفلاً أو يُدرَس تنفيذها.

ففي المملكة المتحدة، أنشأت الحكومة لجنة فيكرز للتوصية بالحل، وقد اقترح أعضاء اللجنة إلزام البنوك العالمية بإقامة أفرع تجزئة تابعة مسيجة تتمتع بحصة أكبر من رأس المال. ولن يُسمَح إلا لأفرع التجزئة بالاعتماد على البنوك المركزية بوصفها الملاذ الأخير للإقراض.

وهناك نسخة من توصيات لجنة فيكرز، تتسم بقدر أكبر من المرونة مقارنة بما اقترحه أعضاء اللجنة، ويضمها مشروع قانون للعمل المصرفي معروض حالياً على البرلمان. ويريد عدد من أعضاء البرلمان فرض قيود أكثر صرامة، ومن الصعب أن نجد أي شخص يتحدث لصالح البنوك، لذا فمن المرجح أن يتم تمرير شكل ما من مشروع القانون هذا، وسوف تضطر البنوك البريطانية الكبرى إلى تقسيم عملياتها ورأسمالها.

وقد قررت المملكة المتحدة اتخاذ بعض الإجراءات قبل أي الاتفاق على أي حل على نطاق أوروبا بالكامل. ونحن البريطانيين لا نزال أعضاءً في البرلمان الأوروبي (في الوقت الحالي على الأقل)، ولكن يبدو أن ساستنا ينسون هذا في بعض الأحيان. وأحياناً يفرغ صبرهم إزاء صعوبة الاتفاق على أي تغييرات في المفاوضات التي تضم 28 دولة، وهو ما يصدق بشكل خاص على مسألة الإصلاح المالي، لأن العديد من هذه البلدان ليست موطناً للبنوك ذات الأهمية للنظام بالكامل وربما لن تكون أبدا.

ولكن مؤسسات الاتحاد الأوروبي لم تكن خاملة تماما، فقد طلبت المفوضية الأوروبية من فريق من الشخصيات الرفيعة، برئاسة إيركي ليكانين، رئيس البنك المركزي الفنلندي، دراسة هذه المسألة على مستوى أوروبا بالكامل.

وتوصل تقرير الفريق الذي نُشِر في أكتوبر 2012 إلى استنتاج مماثل لما توصلت إليه لجنة فيكرز في ما يتصل بالخطر المتمثل بتجميع أنشطة التجزئة المصرفية وأنشطة البنوك الاستثمارية في نفس الكيان القانوني، فأوصى بفصل الاثنين. ويأتي الاقتراح على عكس خطة المملكة المتحدة- تسييج العمل المصرفي الاستثماري والأذرع التجارية، وليس جانب التجزئة- ولكن نقطة النهاية سوف تكون متماثلة إلى حد كبير.

ولكن الاتحاد المصرفي الأوروبي أصر على موقفه الرافض، واصفاً التوصيات بأنها "غير ضرورية على الإطلاق"، وطلبت المفوضية الأوروبية تعليقات، وكان موقفها الرسمي هو أنها تدرس التوصيات إلى جانب التقارير.

قد تستغرق هذه الدراسة بعض الوقت؛ بل قد لا تنتهي أبدا، ويبدو أن الحكومة الألمانية ليس لديها شهية كبيرة لتفكيك دويتشه بنك، كما اقتبس الفرنسيون من البريطانيين فنفذوا إصلاحاتهم الخاصة. وتبدو الخطة الفرنسية أقرب إلى نسخة غالية من قاعدة فولكر من شبهها بلجنة فيكرز على الطريقة الفرنسية. فهي أقل صرامة مما أبدت البنوك خشيتها منه بعد خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الناري في حملته الانتخابية في العام الماضي، حيث لعن القطاع المالي باعتباره "العدو" الحقيقي.

لذا فقد أصبح لدينا الآن خطة عالمية من نوع ما، تكملها حلول محلية عديدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، مع احتمال نشوء خطة أوروبية تختلف أيضاً عن الخطط الأخرى. في شهادته أمام البرلمان في المملكة المتحدة، لاحظ فولكر بلطف أن "تدويل بعض القيود التنظيمية الأساسية من شأنه أن يجعل الفرص متكافئة للجميع. ومن الواضح أنه ليس من المثالي أن تتبع الولايات المتحدة قاعدة فولكر في حين تتبع المملكة المتحدة لجنة فيكرز..."

وكان محقاً بكل تأكيد، ولكن مسألة "أكبر من أن يُسمَح له بالفشل" تُعَد منطقة أخرى أثبت فيها حماس ما بعد الأزمة للحلول العالمية فشله. والنتيجة المؤسفة بطبيعة الحال هي عدم تكافؤ الفرص، في ظل حوافز تدفع البنوك إلى نقل عملياتها، سواء جغرافياً أو من حيث الكيانات القانونية. وهذه بكل تأكيد ليس النتيجة التي سعت إليها مجموعة العشرين، أو أي جهة أخرى، في عام 2009.

* هاورد ديفيز الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية في بريطانيا، ونائب محافظ بنك إنكلترا سابقا، والمدير الأسبق لكلية لندن للاقتصاد، وأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top