اجتمع أهل القرية على عجل، لبحث أمر جلل. اتفق فيهم مَن اتفق، واختلف فيهم مَن اختلف. والمشكلة كبيرة جعلت الناس في حيرة.

Ad

تتلخص المشكلة، أو فلنقل المأساة، كما صورها أحد الجهابذة، في أن طفلاً هو ابن عمدة القرية كان قد بلع خاتماً، ولم يكن في بلعه له حاسماً، فظل الخاتم معلقاً في أعلى البلعوم، وقيل إنه في وسط "الزلعوم"، وقال أحد كبار القوم إنه قريب لـ"لسان الموت".

ورفض أحدهم الرواية، وكانت عيناه على كرسي العمدة، وبرز عليهم بنظرية جديدة، إن ما "لم" يبلعه الطفل ليس إلا حديدة على شكل خاتم. أما كبيرهم الذي فشل في تعليمهم السحر، فكان له رأي آخر، وها هو إذ تبوأ كرسيه، ومط مطاً شفتيه، يبوح للحاضرين برؤيته، إنه ليس بخاتم واحد بل خاتمان، أحدهما حقيقي والآخر مزيف، وقالها بالعامية "ملعوب به".

انفض العقد دون نتيجة، واشتعلت القرية بالشائعات، وتحولت إلى صواعق لفظية ومفرقعات، الكل، تقريباً دون استثناءات، يؤكد صحة "رؤيته" للمأساة، بل إن أحدهم، وهو "معارض إلا ربعاً" وقيل "إلا ثلثاً" ظل يؤكد أن المأساة بها أكثر من "رؤية".

فشل القوم في الوصول إلى كبد الحقيقة، فأكلوا نصفها، ثم ابتلعوا نصف النصف، واحتاروا في كمية ما تبقى من الحقيقة، هل هو الربع أو الثمن، فعاودوا الكَرة لكي يختلفوا حول كمية ما تبقى، وليكتشفوا أن ما ابتلعوه مستدير كما الخاتم.

فقال أحدهم، وهو أكثرهم نباهةً، ولكنه أكثرهم نصباً واحتيالاً، ففي السياسة قد تجتمع النباهة والنصب أحياناً كتوأم. قال النصاب النبيه، أظن أنني على وشك التعرف على مأساة الطفل وما ابتلعه، فهو قد ابتلع جزءاً من الحقيقة فظنناه خاتماً وابتلعنا نحن البقية الباقية من الحقيقة، ولتحفظ القضية، وليتم تسجيلها ضد معلوم بل ومعلوم جداً.

ومع ذلك تم تسجيل القضية ضد مجهول، وقيل إن ذلك قد تم درءاً للفتنة، وعزف العازفون كل على لحنه، فالمجهول خير من المعلوم لتجاوز المحنة.

وكفى الله الناس شر القتال، والنبال، وتبدل الأحوال، فدوام الحال من المحال، وليرحمنا الله في الحل والترحال.