مفارقة!

نشر في 20-03-2014
آخر تحديث 20-03-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري مفارقة حكيمة في الاختلاف! إذا أردت أن توسّع رقعته فما عليك إلا أن تبدأ بمحاولة تأكيد وجوده، أمّا إذا أردت أن تعرف مساحته فقط، فلابد أن تبدأ بمحاولة تأكيد وجود نقيضه!

هذه المفارقة في الاختلاف قليل من يودّ الانتباه لها أو يعطيها شيئاً من الاهتمام والتأمل والتفكير، علما أنها باعتقادي هي كلمة السرّ لفتح الباب المغلق بين وجهتي نظر متضادتين!

كثيراً ما تساءلت عن جدوى بيان اختلافي مع شخص يعرف سلفاً أننا مختلفان!

أي حماقة كانت حادياً لعقلي، حين ظننت أن الدخول لعقله لن يتم إلا من خلال باب موصد بين عقلينا؟!

لم توصلني هذه الطريقة في النقاش مع من أختلف معه غالبا إلا لنتيجة واحدة وهي أننا: مختلفان!

وكأنما هذه الحقيقة كانت بحاجة إلى نقاش وحوار يؤكدّها!

لم أبدأ حواراً قطّ بهذه الطريقة إلا وجدت أن الحوار قد تشجّر ليكشف عن أن الاختلاف أكبر مما كنت أظن، نادرا ما اكتشفت العكس!

اعتدنا أن نبادر في الحوار مع من نختلف معهم بأن تكون نقاط اختلافنا هي فاتحة الحوار،

يأتي كل منا للحوار متأبطاً حزمة من الشوك ليضعها في كفّ الآخر، يقدّم له سلّة من الجمر، معتقداً أنها حين تُحرق أصابع خصمه سيصبح خصمه غير قادر على الإمساك بزمام الحوار، حينها تصبح الفرصة سانحة له للإمساك بها!

الحقيقة أن الآخر أيضاً يتأبط حزمة شوكه، وسلّة جمره، وفي ذهنه ذات الاستراتيجية في الحوار وذات التكتيك! كل طرف يدّعي أن عقله محراب الشمس، وأن عقل الآخر منارة الظلام! متيقنٌ كل طرف بأنه على صواب، وأن الآخر على خطأ، نحن نتحاور حول اختلافاتنا لا لتقليص مساحتها ولكن لإثبات منطقيتها، كوسيلة لامتلاك الحجّة! انطلاقا من إيماننا العميق بأن من يملك الحجة، يملك الحق، متناسين أن كثيراً من الحق بلا حجة بائنة! وأنّ كثيراً من الحق بيننا ظاهر والدليل إليه غائب، وكثيراً من الحق يتيم بلا حجة ترعاه،

إنّ الحجّة لا تخلق حقاً، وإن الحق قد يولد نبيّاً بلا أب!

لو أننا جرّبنا المفارقة الحكيمة في الاختلاف، أي ان نبدأ بتحديد حجم الاتفاق انطلاقاً للحوار حين نتحاور لربّما توصلنا إلى اكتشاف المساحات الخصبة الشاسعة بيننا وبين من نختلف معهم، ولربما تمكنّا من زراعة شجرة نستظل بها معاً، إلى أن ينتهي الهجير فيمضي كلّ إلى غايته، إذا كان مقدّرا أن تختلف وجهة كل منّا، ولربما تولّدت لدينا قناعة بأن لدينا في زوّادة الاتفاق ما يسدّ جوعنا معاً لنبقى على قيد الحياة سويّة، دون الحاجة للاقتتال حول زوادة الاختلاف، تحديد مساحة الاتفاق قبل مساحة الاختلاف، ليست فقط دليلا على بيان حسن النوايا في الحوار، إنها طريقة مثلى لخلق مناخ جيد للمصافحة، وتحييد شهوة الشوك والجمر الأظافر،

إنها كتابة أول سطر في حيثيات اتفاق السلام!  

إذا أردنا أن نعرف ما يستحق الخلاف بيننا والآخر، لابد من معرفة ما نتفق عليه بدايةً.

back to top