العيد عاد بدم غزة!

نشر في 06-08-2014
آخر تحديث 06-08-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي لأن حلم الوطن العربي الموحد من المحيط إلى الخليج ما عاد يمرّ على القلب والعين! فهذا الوطن العربي الحلم، صار مقطّعاً، حتى غدا بقاء كل وطن عربي على حاله حلماً يحتاج لطاقة كبيرة من الأمل، فأنا وأعداد كبيرة من أبناء جيلي، ابتلعنا الحسرة والألم واليأس، ورضينا بمرارة الواقع، وأبعدنا ذلك الحلم العربي القومي الجميل عن مخيلاتنا، ولذنا بصمت اليتيم!

إن زمناً يحمل فيه الإنسان أحداث العالم في جيبه، يجبره على تتبع تلك الأحداث، وإلا عاش مرمياً خارج حدث لحظة زمنه، ولأن القاصي قبل الداني رفع يافطات غزة، على طول العالم وعرضه، وفي مختلف عواصم الدنيا، حتى في عقر دار إسرائيل، فكان لابدَّ لكل عربي أن يتلطخ بدم غزة، حاملاً وجعه ودمعه وخجله، وإحساسه بهمجية العالم ووحشيته، مردداً: العيد غزة!

نعم، صار واضحاً، لأسباب كثيرة، منها الفلسطيني الفلسطيني، ومنها الفلسطيني العربي، ومنها العربي العربي، ومنها العربي الأجنبي، ومنها الأجنبي الأجنبي، أسباب، في زمن الفضاء المفتوح والمفضوح، بعضها ظاهر وبعضها ظاهر جداً، صار على غزة، وأبناء غزة، وعلى فلسطين، وعلى أبناء فلسطين، أن يدفعوا ثمناً مصبوغاً بلون الدم البريء بين سنة وأخرى.

قرابة الألف ماتوا، حتى لحظة كتابتي لهذا المقال، أغلبهم من الأطفال الأبرياء، وجلهم من المسالمين القابعين في بيوتهم، والعالم من أقصاه إلى أقصاه، يتابع متفرجاً عبر القنوات الفضائية، كما تابع قبل أسابيع مباريات كأس العالم، ولكن دون أن تكون القنوات مشفّرة، يتابع هجوم وغارات الطيران الإسرائيلي على بيوت غزة ومدارسها وملاجئها، ويشاهد بينما هو مسترخٍ على مقاعد وثيرة مناظر الصراخ والعويل والدم والموت، وقد ينزعج فيتناول جهاز التحكم عن بُعد، ليغيّر القناة، ويزيح عن كاهل ضميره المتيقظ، وجع متابعة قتل الأبرياء الغزاويين الفلسطينيين!

قبل ما يزيد على الخمسين سنة، كان هناك منْ قال برمي إسرائيل في البحر، ولكننا الآن، لا نريد شيئاً من إسرائيل سوى أن تترك لغزة أن تواجه البحر بسلام، فالجميع يعلم أن صوت الحق أضعف بكثير من أن يجاري صوت القوي المتوحش، لكننا، وأقصد هنا، البعض العربي لا يمكن أن نتسامح مع أنفسنا ونحن نرى إخواننا الفلسطينيين يُقتلون دون سببٍ، وبعنف أعمى وعنجهية جعلت كل شعوب الدنيا تدين العدوان، وتقف إلى جانب المظلوم!

نحن الشعوب العربية، نستقبل عيد الفطر بلون الدم! ونردد لبعضنا بعضاً بدم بارد عبارة: كل عام وأنتم بخير! بينما على القرب تقول القذيفة الإسرائيلية لأطفال وأهل بيت في غزة: لن تكون لكم لحظة قادمة، ولا يوم قادم، ولا عام قادم!

نردد لبعضنا بعضا بوجوه تعبر عما يشبه الخجل على محياها: عيدكم مبارك، وقذائف إسرائيل تتمنى بصوت عالٍ لأطفال غزة: عيدكم في القبور!

صحيح تماماً أن لا حول لنا ولا قوة! وصحيح أننا كعرب أضعف بكثير من أن نقف في وجه دولة إسرائيل العظمى ومعها أقطاب العالم المُتحضر الديمقراطي! وصحيح أننا نعيش لحظاتنا العائلية الخاصة جداً، والتي أبعد ما تكون عن همّ ووجع وموت غزة. لكن الصحيح أيضاً أن البعض منا، عرباً وبشراً، من كل بقاع الأرض، مازال يحمل شيئاً من بقية ضمير يردد دون «حماس»: لا ذنب لأطفال غزة، لا ذنب لنساء غزة، لا ذنب لشيوخ غزة، لا ذنب لبيوت وحجر غزة، أن يواجهوا غولاً موتاً بشعاً في أواخر رمضان، وفي عيد الإسلام والمسلمين، وأن يكون لون العيد، لون الدم العربي الرخيص، رخص التراب، ولو أن التراب الفلسطيني وحده، يبدو أغلى أتربة الأرض قاطبة!

back to top