"شر البليَّة ما يضحك"، مواطن يسخر من السيول بركوب أمواجها، وآخر يستعد لقدوم الكارثة مرتدياً "عِدَّة" الغوص، ووزارة الأشغال وبقية الأجهزة المعنية "يا جبل ما يهزك ريح"، ولأنني أعيش هذا المشهد مكرراً للمرة الألف لن أكمل البقية، قليل من المفرقعات النيابية ومواطنون "يتحلطمون" على سوء أحوال البنية التحتية، وكيف أن بلداً نفطياً يبعثر أمواله يميناً ويساراً على دول تجري فيها الانقلابات مثل الدوري العام، عاجز عن حماية سكانه من خطر السيول؟

Ad

ولأن هذا المشهد مكرور، فكل "الزعل" هذه الأيام سيزول مثل زوال الصداع، و"كلها يومين لا أكثر" وستنسون أمر بيوتكم التي غرقت وسياراتكم التي جُرفت وملياراتكم التي أهدرت "وستعلقون" بملهاة جديدة، طائرة تجسس، طائرات هندية مستعملة، "شوف شقال نبيل عن صفاء"، مسيرة غير مرخصة يتقدمها رافضو المسيرات غير المرخصة!، وفي الأخير ستظهر النتيجة: المعارضة هي السبب و"يا ديره ما مثلك ديره".

في الأيام القليلة الماضية، وهي مليئة بالأمطار والسيول والطرق المسدودة والعطل الفجائية، تذكرت الحملات الفقاعية للتطوع من أجل الكويت التي تظهر من العدم في لحظات الاحتدام السياسي ثم تختفي فجأة هي و"معلمين الأنفار" الذين تقدموها، مثل هذه الحملات التي أعلنت استعدادها العمل في كل موقع وكل تخصص دون مقابل، الآن يأتي أوانها ووقتها للنزول إلى الشارع وأخذ مهام وزارة الأشغال والمطافئ والإسعاف والمطار... إلخ.

تذكرت الفتاوى الاصطفافية التي لا يشهر سيفها سوى على الناس "الغلابة" عندما يصيحون من انتكاس أحوالهم وفساد مصالحهم، أين فتاواهم لا تدين من أضاعوا الأمانة وضيَّقوا على الناس حياتهم؟ ألا يعيشون بيننا ألا يرون ما نرى ويسمعون ما نسمع؟

وفي المقابل، يخرج علينا من بين السواد بريق ومن داخل الاحباط نشيد، نراهم بلا ملامح ثابتة أو أسماء معروفة، إنهم "ملح الأرض"، كما وصفهم الراحل أحمد الربعي، يعملون بصمت يساعدون هذا ويقيلون عثرة ذاك، ينظمون السير ويقفون مكان إشارات المرور، إنهم شباب وشابات وكبار وقامات، نظموا دون هيئة تنسيقية أو أمانة عامة وكوادر مالية حياتنا في الأماكن التي غاب عنها من كان يفترض فيهم الحضور.

هؤلاء هم المبادرون، الخيرون، قاهرو الاحباط واليأس في بيئةٍ كل ما فيها يبعث على الإحباط واليأس، شكراً لهم ولدروسهم لنا في معاني حب الوطن وفي الهواء الطلق.

الفقرة الأخيرة: نستطيع تخريج مئة طبيب ومائة محامٍ ومئة مهندس و... و... و... لكن من المستحيل صناعة مبدع أو مفكر، هذا الكلام أقوله كلما فقدت الكويت أحد أعلامها وآخرهم الفنان التشكيلي أيوب حسين، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.