عبدالوهاب الأسواني: «المنغّصات» دافع الإبداع الأول

نشر في 16-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 16-12-2013 | 00:02
No Image Caption
عبدالوهاب الأسواني صاحب بصمة روائية متميزة، يتمتع بنكهة مصرية صعيدية مختلفة عن جيل الستينيات الذي ينتمي إليه، ولهذا يعتبر أحد أبرز أقرانه...
في حديثه إلى «الجريدة» يؤكد الأسواني اقتناعه التام بمقولة الأديب الإسباني غابريال غارسيا ماركيز «الطفولة هي مخزن الروائية»، ما يفسر انحيازه الدائم إلى الجنوب الذي يعتبر أنه ظلم أدبياً وفنياً.
منذ فترة ليست بقصيرة لم نرَ لك أعمالا جديدة، لماذا؟

أوشكت على الانتهاء من روايتين هما «جوليا اليونانية» و{إمبراطورية حمدان»، تبقى للثانية تفاصيل صغيرة لأنتهي منها، وستكون جاهزة خلال الشهرين المقبلين.

لماذا الانتظار شهرين حتى تخرجها إلى النور؟

لأكثر من سبب... الأول كبر السن، فأنا لم أعد قادراً على الكتابة أو القراءة أكثر من ساعتين يومياً، لأنني سرعان ما أصاب بالإرهاق، ولم تعد صحتي تتحمّل المجهود الذي أبذله في هذا العمل، مع أنني في مراحل عمري المختلفة  كنت أكتب وأقرأ حوالى 15 ساعة يومياً.

 أما الثاني فهو الأحداث السياسية المتسارعة التي تمر بها المنطقة العربية وتحديداً مصر، ما يجعل التفرغ للكتابة صعباً.

أمضيت سنوات عمرك بين الإسكندرية والقاهرة بدءاً بأسوان، مع ذلك تتأثر أعمالك في غالبيتها بالصعيد وتنحاز إليه، لماذا؟

للروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز مقولة شهيرة: «الطفولة مخزن الروائية»، وإذا طبقناها عليّ ستجد بالفعل أنني تربيت بين هذه الأماكن الثلاثة، إلا أن أغلب علاقاتي كانت في بلدتي المنصورية في أسوان، لأن سكان الإسكندرية أجانب في معظمهم.

أذكر أنني في إحدى المرات ذهبت لألعب مع أولاد «الخواجات»، فما كان منهم إلا أن أخذوا الكرة وابتعدوا عني. ولم يكن لدي صديق في هذه المدينة إلا طفل قبطي، فكنا نلعب معاً ونتحدث عن الصعيد الذي ينتمي إليه هو الآخر، ما جعل ذاكرتي مشغولة دائماً بالجنوب حتى  وأنا في الإسكندرية.

سبق أن صرحت بأنه في حال نجاح ثورة «25 يناير» سيتوقف أغلب الروائيين عن الكتابة، فهل ينطبق هذا الكلام على «30 يونيو» أيضاً؟

إذا نجحت ثورة 30 يونيو في تحقيق أهدافها وأصبح البلد في أحسن حال ويدار من منطلق المبادئ التي قامت عليها هذه الانتفاضة الشعبية، فسيتوقف الكتّاب عن الكتابة، ما دام المبدع لا يجد ما ينغص عليه حياته ويشعره بالأرق فلا دافع له للكتابة.

هل ثمة حقبة زمنية توقف فيها الروائيون المصريون عن الكتابة بعد استقرار وضع بلدهم؟

لم يحدث ذلك على الإطلاق، ففي مصر مشاكل سياسية باستمرار نابعة من كبر حجمها وعدد سكانها ومكانها في المنطقة العربية والشرق الأوسط، علاوة على مجاورتها لإسرائيل التي تعتبر سبب أزمات العالم أجمع.

هل من الممكن أن تكتب رواية عن ثورة 30 يونيو؟

من الصعب تقديم عمل روائي الآن عن هذه الثورة، لكن من الممكن كتابة قصة قصيرة أو قصيدة شعر، فهما خير معبر لأن الرواية تحتاج إلى بعد زمني لاستبيان التفاصيل والتداعيات والكواليس. على سبيل المثال، «عودة الروح» التي كتبها توفيق الحكيم عام 1939، أول رواية جيدة وحقيقية كتبت عن ثورة 1919، أي بعد عشرين سنة. بالمناسبة كانت الرواية سبب قيام جمال عبد الناصر بثورته عام 1952.

هل ثمة تشابه بين الخمسينيات والحاضر؟

ثمة تشابه يقترب من التطابق، فالفريق أول عبدالفتاح السيسي لديه مقومات عبد الناصر سواء في قراءاته الأدبية أو تقديره لدور الأدباء والفنانين. وأعتقد أن المضايقات التي تصدر من الغرب تعود إلى إحساسه بأن هذا الرجل قد يكون زعيماً عربياً مثلما كان ناصر.

 يعلم الجميع أن الغرب كان يخشى عبدالناصر وأكبر دليل على ذلك مذكرات هنري كيسنجر التي أورد فيها عشرات المرات بشكل هسيتيري جملة «لن نسمح بتكرار تجربة جمال عبدالناصر».

إلى أي مدى تثق بوعي المصريين البسطاء وثقافتهم؟

أورد عباس العقاد في أحد كتبه أن المصريين لا يثورون ويتحملون ما لا يتحمله بشر، لكن إذا ثاروا لا يقدر عليهم أحد ولا يهدأون إلا بعد أن ينفذوا مطالبهم، وهذا ما حدث مع الحكام والاحتلالات التي مرت على مصر عبر تاريخها العظيم. لا يمكن أن نغفل يومي 18 و19 يناير 1977 عندما ثار المصريون ضد الرئيس الراحل أنور السادات الذي حقق نصراً على إسرائيل قبلها بأربع سنوات، واعتبره البعض الحاكم الملهم ولكن الشعب لم يرحمه عندما شعر بالظلم.

هل يستفيد الروائي من تحويل أعماله الأدبية إلى دراما مرئية سواء تلفزيونية أو سينمائية ولمن ينسب العمل بعد تحويله؟

ينسب العمل إلى الاثنين، فالروائي كتب الأصل والسيناريست قدمه للمشاهدين بصورة جديدة، مع العلم أن السيناريست قد يتخطى أخطاء الرواية الأصلية وعيوبها باستحداثه شخصيات وخيوطاً درامية جديدة. على سبيل المثال، عندما استحدث نجيب محفوظ خيوطاً درامية جديدة وأدخل تعديلات أثناء كتابته سيناريو فيلم «شباب امرأة» عن رواية بالاسم نفسه لأمين يوسف غراب، جاء الفيلم مميزاً وجيداً مقارنة بالرواية الأصلية، ما دفع غراب إلى إعادة طبع الرواية بالتعديلات التي وضعها محفوظ، وتصدّرت الروايات الأكثر مبيعاً في حينها، رغم أن الرواية نفسها لم تلق قبولا عندما طبعها للمرة الأولى.

لماذا لا يفضل أغلب الروائيين كتابة سيناريو أعمالهم بأنفسهم ويوكلونها إلى آخرين ومن أبرز هؤلاء نجيب محفوظ؟

سألت نجيب محفوظ ذات مرة هذا السؤال وكان رده كالتالي: «الروائي مثل الطبيب لا يستطيع إجراء جراحة لابنه، فالكاتب يشعر بأن روايته هي فلذة كبده، ولا يقدر على تعديلها أو إلغاء بعض أحداثها، بعدما بذل جهداً كبيراً فيها». للعلم، أتفق معه تماماً في هذه الجزئية.

لكنك كتبت سيناريو روايتك «اللسان المرّ» بنفسك.

هذه الواقعة لها وضع خاص، فقد قمت بهذه المهمة بضغوط من علوية زكي التي طلبت مني ذلك أكثر من مرة، وعندما قلت لها إنني لا أمتلك خبرة كتابة السيناريو، بادرتني بالقول: «الحوار لديك غزير وغني، وتجيد كروائي نقل الأحداث زمنياً ومكانياً، وهو ما يحدث في السيناريو أيضاً»، وأعطتني نماذج لأطلع عليها وبالفعل كتبت السيناريو مضطراً.

أيهما أصعب: صناعة الرواية أم كتابة السيناريو؟

مهمة السيناريست صعبة لأنه يضع في حسابه اعتبارات عدة منها أن المشاهد قد يكون غير مدرك وغير ناضج وسنه أقل من 12 سنة، لذلك عليه تخفيف لهجة الحوار، واستعمال كلمات متداولة ونقلات درامية بسيطة، فيما قارئ الرواية مثقف ويعلم أموراً كثيرة بدليل أنه يذهب إلى البائع ليشتري الكتاب الذي يريده، ومن الممكن أن يتلقى أي معلومات مهما كانت بلغت غزارتها.

ما رأيك بالروائيين الشباب وهل ترى أنهم سيكونون امتداداً لجيلكم؟

شاركت في لجان تحكيم جوائز عربية وقرأت أعمال الشباب، ولاحظت أن ثمة تطوراً في الأسلوب والأداء، لكن ما لفت انتباهي أن معظم أعمال هؤلاء الشباب لا تتضمن قضايا تشغل بالهم ويكتبون الأدب للأدب وليس خدمة لقضية ما.

back to top